Friday 03/01/2014 Issue 15072 الجمعة 02 ربيع الأول 1435 العدد

قصة قصيرة

التنور

في ليلة لا يشعر فيها سوى بدفء قادم من المدفأة الملتصقة بجدار البهو الواسع كل الأخبار التي على شاشة التلفاز الضخم تؤكد أن الجو في الخارج شديد البرودة، ولكن لا أثر لها داخل القصر سوى في روحه الراحلة هناك حيث ذلك البيت جدرانه سوداء من أثر دخان الفرن الذي يتوسط ساحته... ويزداد حرقة من تنهيدة ذكرى تمر في خاطره وشيطان يحرق ويحول رماد فرنه لنار لا تدفئه بل تزيد برودة أيامه... تتعثر ذكرياته في دجاجات تنقر بحثا عن طعام مفقود يفتح لها الباب لربما تجد بعضه في أزقة القرية... وحده الخبز الحاف الطعام الوحيد تأكله العائلة الكبيرة مغموساً في ماء...ويوم فرح الأطفال حين تنكسر قليلا قشرة إحدى البيضات والتي تجمعها الأم لتبيعها مقابل القليل من العسل الأسود أو قطعة من جبنه.

وفرن الدار ليس للخبز بل لتدفئة البيت فمن النوادر أن يوقد التنور سوى لخبز بعض دقيق الذرة المتساقط تحت (وابور ) الطحين عند أطراف البلدة... داخل الذكرى يناديه أبوه : هل اشتقت لنا أخيراً؟ هل أفلست زوجتك التي تزوجتها رغماً عنا؟

هل أجبرتك على عدم زيارتنا كل هذه الأعوام؟إخوتك تعلموا وليسوا في حاجة لك أتريد بعضاً من خبزنا؟

يكفينا... لا تخف... لا تنظر بعقلك إلى حالنا....

أتفتقدها؟ قد ماتت وهي تذكرك

برغم كل شيء أنت روحها كثيراً ما منعتها من زيارتك

وكثيرا ما رأيتك من بعيد لا تظن أن قلبي قاس... أنت ولدي رغم جحودك زادت روحه تجمداً يدور في حارته العتيقة وجوه تبتسم رغم البؤس وقلوب تشعل نار الدفء في جدران البيوت.

نفض عن قلبه غشاوة وقرر أن يُصلح ما كان... انتفخ جيبه من أموال كثيرة حشرها في جيوبه... ركب عربته وانطلق حيث طريق يحاول أن يتذكره... شعر بتيه في مشواره الطويل.... مر بخياله في دروب شتى..بصعوبة وصل لأطراف القرية هاهي شجرة كانت تأوي قلبه وقلبها... قد جفت جذرها... بدأت تتضح معالم ما كانت قريته... على يسار الطريق يلمع ضوء خافت يتوسط مقابر القرية... يقف متذكرا أمه وقارئاً الفاتحة على روحها... يذرف بعض الدمع... يحاول تذكر الوجوه القليلة التي تمر بجواره... لا يتذكر أحدا... تحيط بإطارات عربته طين من أثر المطر يضطر للترجل لضيق حارته... يقترب من الدار

يطرق الباب، يتسرب من تحت بابها المتهالك دفء لم يشعر به منذ زمن طويل،يفتح العجوز..يرتمي في حضن أبيه.... برغم نظره الضعيف شعر به ونزلت دموع دافئة من عيونهما....دعاه للدخول.

البيت كما هو لم يعد الأب بناءه رغم المال الذي كان يرسله له... ألقى بمال على سرير متهالك والأب يخرج الكثير من أموال كان يحتفظ بها لمثل هذا اليوم.

- محمد يوسف