Wednesday 08/01/2014 Issue 15077 الاربعاء 07 ربيع الأول 1435 العدد
08-01-2014

بدعة الثلث المعطِّل

أينما توجِّه نظرك تجد أن الأمم والدول التي تحترم استقلالها تحرص أشد الحرص على صد أي محاولات للتدخل في شؤونها الداخلية؛ ولذلك فإن هذه الدول تبادر باستدعاء السفراء، ومن ثم إبعادهم عن بلادها، إن لم تتوقف بلد السفير المطرود عن التدخُّل في شؤونها الداخلية. وهناك الكثير من الحالات التي نشهدها، وتتكرر أكثر من مرة في العام الواحد. وهو ما أقدمت عليه جمهورية مصر العربية عندما طلبت من السفير التركي مغادرة القاهرة، وهناك خطوات أخرى تجاه دول أخرى إن لم تكف عن تدخلاتها في الشأن المصري.

مصر شديدة الحساسية تجاه هذا الموضوع، إلا أنه - وللأسف الشديد - هناك دول «تغمض عيون مسؤوليها» عن التدخلات السافرة في شؤونها الداخلية؛ كونهم أصلاً يدينون بالولاء لتلك الدول التي تدس أنفها في شأنها الداخلي. وقد وصل الأمر بهؤلاء المسؤولين الذين لا يخجلون من إعلان ولائهم لتلك الدولة الأجنبية إلى أن يبتدعوا أسلوباً في تشكيل الحكومات، من خلال ما يسمونه بـ»الثلث المعطِّل»؛ وذلك لإتاحة الفرصة لمن يعملون لصالح تلك الدولة بأن يعطِّلوا أي قرار أو إجراء حكومي لا ترضى عنه تلك الدولة، وذلك بأن يتكتل ثلث أعضاء مجلس الوزراء لرفض القرار.

وبما أن النظام الداخلي لاجتماعات مجلس الوزراء في بعض الدول يشترط ألا يعارض ثلث الوزراء على القرارات فقد ابتُدع أسلوب الثلث المعطل لتعطيل القرارات التي لا ترضى عنها تلك الدولة، أو مَن يمثلها، أو حتى تكتل سياسي أو طائفي، أو حتى مناطقي.

المشتغلون في السياسة يرون في هذا الأسلوب عملاً سلبياً يعطِّل عمل أي حكومة، ويجعلها تحت هيمنة أصحاب الثلث المعطِّل؛ ولذلك كان مستغرباً أن يقدَّم اقتراح بمنح الفريقين السياسيين المتضادين في لبنان (تكتل 14 آذار وتكتل 8 آذار) ما يسمى بالثلث المعطِّل من خلال تشكيلة (9+9-6). والمقصود أن تتشكل الحكومة اللبنانية من تسعة وزراء من 14 آذار، وتسعة وزراء من 8 آذار، و6 وزراء يختارهم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وهو ما يمنح إمكانية تعطيل أي قرار وزاري لا يرضى عنه وزراء 8 آذار، مثلما يعطي الإمكانية لجماعة 14 آذار تعطيل ما لا يريدونه من قرارات، وهكذا تتربص كل كتلة سياسية بالأخرى؛ ما يعطل العمل الحكومي في بلد يأنُّ تحت وطأة العديد من المشاكل التي تتطلب عملاً سلسلاً دون (مماحكات)، كما أنه ينتظره العديد من الاستحقاقات الدستورية.

ويرى المحللون السياسيون أن علة لبنان هي التدخلات الخارجية من خارج الحدود، وبخاصة من نظام بشار الأسد وملالي طهران؛ إذ أصبح سفيراهما بمنزلة المندوبَين الساميَّين في بيروت؛ يحضران اجتماعات كتلة 8 آذار، بل تطلب دولتاهما المشاركة في التحقيقات القضائية، رغم علم الجميع بأن ما يحصل من اختراقات وأعمال إرهابية من صنع وتدبير هذين النظامَين اللذين يُعتبران أول من أدخلا الأعمال الإرهابية للبنان والمنطقة.

jaser@al-jazirah.com.sa

مقالات أخرى للكاتب