Friday 10/01/2014 Issue 15079 الجمعة 09 ربيع الأول 1435 العدد
10-01-2014

ليست المؤامرة وإنما ثقافتنا

تعوّد بنو يعرب على اللجوء إلى (نظرية المؤامرة) لفهم أية حالة يستعصي فهمها أو تعقيداتها على أذهانهم. آخر من أحالوه إلى هذه النظرية هو (تنظيم القاعدة). فهل يعقل - في منطقهم - أن يصل الإسلام ناهيك عن الجهاد لهذا القدر من الهمجية والوحشية والانحطاط إلى درجة أن يُفجر مستشفى أو يغتال طبيبا أو ممرضة أو يُصفي مرضى أو عجزة؟ يتساءلون.. ويجيبون: لا بد وأن ثمة من يقف خلف تنظيم القاعدة من دوائر الاستخبارات الغربية وربما الإيرانية أيضاً تفبرك مثل هذه الجرائم المنكرة للإساءة للإسلام.

أنا هنا لا أنكر أن هناك مستفيدين من جرائم القاعدة، بل ولا أستبعد - أيضاً - أن ثمة من يُوظف كوادر القاعدة لخدمة أهدافهم ومراميهم أياً كانت هذه الأهداف، هذا الاحتمال لا يمكن إغفاله خاصة حينما ترى أن من يستفيد من مثل هذه الممارسات الغبية هم (الإسرائيليون والإيرانيون) ومن يقف وراؤهم أو معهم في الغرب والشرق. وأقرب مثال حاضر هو تنظيم (داعش)؛ فلم يعد سراً أن هذا التنظيم الجهادي الذي كان يتقاطر عليه السذج والبسطاء الجهاديون من كل حدب وصوب، ومنهم للأسف بعض الشباب السعوديين، هو تنظيم يُموَّل ويأتمر بأمر الإيرانيين ويخدم مصالحهم في المنطقة.

غير أن السؤال الأهم والمحوري في هذا السياق: هل سيستطيع هذا (المتآمر) المفترض تنفيذ أجنداته لو لم يجد هذا (الثقب) في ثقافتنا لينفذ منه لتحقيق أهدافه؟

وكنت أتحدث مع أحد المراسلين الصحفيين الأجانب عن السبب الذي جعل إدارة الرئيس الأمريكي السابق بوش تُسلِّم العراق على طبق من ذهب لإيران رغم أنهم يُصنفونها من دول الشر ؟.. أجاب دونما تردد: كانت (غلطة)؛ ثم أردف قائلاً: من نقاشي مع العرب عموماً والسعوديين خصوصاً لاحظت أن احتمال الخطأ في (القرار السياسي) لا تجعلون منه احتمالاً وارداً إذا كان مصدره الولايات المتحدة وله علاقة بقضايا الشرق الأوسط، في حين أن نظرية (المؤامرة) حاضرة دائماً في قراءاتكم لأي قرار أمريكي يخص المنطقة.

وهذا صحيح. فالأمريكي مثله مثل أي مخطط سياسي في أي زمان ومكان، قد يُخطئ حين يرسم استراتيجية فتفشل وتعود نتائجها بنتائج وخيمة لم يكن يتوقعها عند صناعة القرار. ولعل أعظم غلطاتهم التي جَرّت عليهم ويلات الإرهاب كان استعانتهم في مواجهة الغزو السوفييتي لأفغانستان بإيقاظ ثقافة الجهاد عند المسلمين وتأجيجها والنفخ في نيرانها لتحـرق الغـزاة هنـاك؛ وحينما ســقط الاتحاد السوفييتي وتفكك ارتد المجاهدون إلى من جندوهم؛ إلى الغرب (الكافر) الذي لا يقل كفره وعداءه للإسلام والمسلمين عن الاتحاد السوفييتي؛ ليصبح الجهاديون اليوم هم الخطر الأول الذي يُهدد الاستقرار والأمن والسلام في كل أصقاع الدنيا.

والسؤال: أليست هذه غلطة شنيعة بل ومدمرة لم يأخذها المخطط الأمريكي في الحسبان حينما قرروا الاستعانة بالجهاديين في دحر الغزو السوفييتي لأفغانستان؟

ومع ذلك لا بد من القول هنا إن الغرب وكذلك الشرق (عقلانيون)؛ إذا أخطؤوا واجهوا أخطاءهم واعترفوا بها وتعلموا منها وجعلوها نصب أعينهم في التعامل مع ما يستجد من أحداث مستقبلية؛ بل قد تُغيّر من استراتيجياتهم وتوجهاتهم في التعامل مع المستقبل.

(بيرل هاربر) ميناء وقاعدة عسكرية أمريكية. اتخذ اليابانيون قرار قصفها عام 1941 إبان الحرب العالمية الثانية، فكان رد الأمريكيين عنيفاً وقاسياً ومدمراً؛ قصفوا المدينتين اليابانيتين (هيروشيما) و (نكازاكي) بالقنبلتين الذريتين انتقاماً لقصف بيرل هاربر؛ فأعلن بعدها اليابانيون الاستسلام. غير أن الهزيمة غيّرت ثقافة اليابانيين فغيروا من أنفسهم؛ تركوا الحرب وويلاتها وفظاعاتها واتجهوا إلى التنمية الاقتصادية؛ لذلك يقولون : لولا غلطة (بيرل هاربر) لما غزت المنتجات اليابانية كل بيت في أنحاء الأرض قاطبة ولما أصبح الإنسان الياباني يعيش في هذا الرفاه والسلام والاستقرار الذي يعيشه اليوم.

صدقوني - أيها الأحبة - أن لا أحد يتربص بكم مثل أخطائكم. ولأنكم لا تتعظون من تجاربكم، وتصرون على مناهجكم الخاطئة، وتستوردون الحلول من التاريخ (الغابر) وليس من الحاضر، فلن تبرحوا مكانكم من (قاع) العالم قيد أنملة.. (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ).

إلى اللقاء.

مقالات أخرى للكاتب