Saturday 11/01/2014 Issue 15080 السبت 10 ربيع الأول 1435 العدد
11-01-2014

عن هيئة سوق المال

قاربت سوق الأسهم الأمريكية هذه الأيام أن تتضاعف قيمتها ثلاث مرات بعد ملامستها 6600 لمؤشر الداو في عام 2009م. فقد تعدت السوق حاجز الستة عشر ألفاً. ومؤشرات الاقتصاد الأمريكي قد تعافت في غالبها، اللهم أن الاقتصاد الأمريكي لن ينطلق انطلاقات فلكية كالتي تعود عليها في كل عقد زمني تقريبا إلا بابتكار أو اختراع جديد.

وقد ردد الكثيرون أن الغرب بحاجة إلى الصيرفة الإسلامية ليخرج من أزمته المالية. بل إن فضيلة الشيخ المطلق صرح في محاضرته العلمية في الجامعة الإسلامية العريقة بالمدينة المنورة أن الغرب بدأ يتجه فعلا للصكوك الإسلامية لإنقاذ مصرفيتهم، كما نقلته جريدتا المدينة وعكاظ. وفضيلة الشيخ المطلق قد وضع الصكوك في موضع الأسهم الممتازة في تلك المحاضرة. وهيئة سوق المال تصف الصكوك في موقع تداول وصفا يوحي وكأنها تختلف عن السندات، أقرب ما يكون لتعريف الأسهم الممتازة.

وقد كتبت مقالين من قبل، أحدهما أناقش فيه فضيلة الشيخ المطلق، وأوضح بأن الصكوك ليست أبدا كالأسهم الممتازة، وأنها مجرد أداة دين لا تختلف جوهرياً عن السندات إلا في الألفاظ، فبدل سند يقال صك وبدل فائدة يقال إجارة أو استصناع وبدل رهن بالدين، يقال ملكية مشاعة. والمقال الآخر وجهته لهيئة سوق المال أطالبها بتصحيح المعلومات المُوهمة للمستثمر عن الصكوك في تداول والتي تصورها وكأنها أسهم ممتازة. ولكن الشيخ المطلق لم يتراجع عن قوله، مما يعني أنه لا يرى خطأ فيما قال. وكذلك هيئة سوق المال لم تغير وصف الصكوك في موقع تداول، ولم توضح أي شيء حول الموضوع. وهذا يعني أن هيئة سوق المال لا ترى خطأ في الموجود على تداول. وهذا جعلني أفترض بأن هناك اختراعا عظيما لأداة مالية ليست بدين ولا ملكية وتأخذ فوائد ولكنها ليست بفوائد.

ولعل هذا ما كان غائبا عني وهو الذي دفع الشيخ المطلق أن يقول إن الغرب بدأ يتجه فعلا للصكوك الإسلامية لإنقاذ مصرفيتهم. فأنا أقترح على هيئة سوق المال أن تقدم هذا المُخترع للأمريكان لعلهم يطورنه ويجدون في خواصه التي تجمع بين الشيء وعكسه، وبين الوجود والعدم، ما يطورون به أنظمتهم المالية وتكون هذه بداية الانطلاقة الاقتصادية الأمريكية القادمة، ويكون للسعودية - ممثلة بهيئة سوق المال - نصيب الأسد فيها بحق براءة الاختراع.

وعندما يقع فضيلة الشيخ المطلق في خطأ ما في فهمه في أداة مالية حديثة، لا يُلام هو بل تلام الجهات المختصة الرسمية. وهذا قد حدث سابقا مع فضيلة الشيخ ابن منيع الذي تبرأ من الصكوك بعد مشكلة دبي مباشرة، وقال إنه قد خُدع فيها كما ذكره في جريدة الرياض. وقد كتبت في هذا في جريدة الاقتصادية وكتبته هنا في الجزيرة، وثبته فلا داعي للتكرار. ولكن الشاهد أن أصحاب الفضيلة العلماء والناس من خلفهم سيضعون الملامة على الحكومة وعلى الجهات المختصة عند ذهاب الموضة، كما حصل في أفغانستان، وكما تبرأ الشيخ ابن منيع وغيره من الصكوك بعد دبي وتعذروا بأنهم خُدعوا حين ظنوا أن المشكلة ستتعاظم، ثم عادوا بعد ذلك.

في الأرياف الجبلية لجورجيا الاتحادية تضع النُزل - أي الفنادق- لاصقة صور بطاقات الائتمان على مداخلها الرئيسية وعلى مكاتب الاستقبال والمحاسبة. وهذا يعني قبولهم لهذه البطاقات، بينما هم لا يعرفونها ولا يتعاملون بها، ويظنون أن هذه اللاصقات مجرد ديكور يوضع. ووضع النُزل في جورجيا الاتحادية مع بطاقات الائتمان هو في الواقع قصة تحكي بمفهومها الواسع واقع بعض المجتمعات التي تقلد الصورة دون الحقيقة. وهيئة سوق المال نسخت مهام هيئة سوق المال من مثيلتها الأمريكية ووضعتها على صفحتها الأولى، دون أن تلتزم بأبسط وأهم ما فيها، وكأنها لا تدري بمعاني هذه المهام ولا تدرك بأن وصفها للصكوك خطأ يجب تصحيحه، وكأني بهم إذا ما سألت أحداً عن ذلك قالوا هذا هو تعريف المشايخ والهيئات وما يدرس في المعهد العالي للقضاء. وإذا ما سأل أحد الهيئات الشرعية قالوا هذا تعريف هيئة سوق المال على صفحة تداول. فكل يرمي ذلك على الآخر متهاوناً بخطورته، ثم الجميع يتساءل بعد ذلك: لم كل هذا؟.

hamzaalsalem@gmail.com

تويتر@hamzaalsalem

مقالات أخرى للكاتب