Saturday 18/01/2014 Issue 15087 السبت 17 ربيع الأول 1435 العدد
فيصل أكرم

فيصل أكرم

الدراما والشخصيات المعاصرة

18-01-2014

بعد الصدمة في محمود درويش .. كيف سيأتي مصطفى محمود..؟؟

يعتبر كثيرٌ من مشاهدي الشاشة الفضية أن كل تجسيد لشخصية معاصرة بمسلسل تلفزيوني ما هو إلا تكريم للشخصية وتقدير لمنجزاتها وتخليد لسيرتها، بخاصة إن كانت شخصية لرمز من رموز الأدب أو الفن أو العلم - أو حتى السياسة - المتوفين مؤخراً، وهذا الاعتبار (أو الاعتقاد) كنتُ ميالاً إليه أيضاً،

لأنه أقرب ما يتبادر إلى الذهن حين المعرفة بخبر قيام مجموعة من الفنانين بالتحضير لمسلسل تلفزيوني عن إحدى الشخصيات المتوفاة قريباً، ليعرض في موسم شهر رمضان القادم.. كما جرت العادة التي بتنا نترقبها كل عام!

فبعد رحيل الشاعر الفلسطيني محمود درويش، الذي يعتبر أكبر شعراء عصره قيمة وجماهيرية عند عموم المثقفين، توقفتُ بمقالة عنوانها (تحية لحضور الغياب) - نشرت في العدد 332 بتاريخ 17 فبراير 2011 من هذه الثقافية - بعد مشاهدتي لحلقة من برنامج (خليك في البيت) كان ضيفها المنتج والممثل السوري فراس إبراهيم يتحدث فيها بطريقة مليئة بالمحبة والرغبة في عمل درامي يوثق لقيمة محمود درويش الشعرية، ولا أريد أن أكرر ما ذكرته في تلك المقالة من افتراضات وتلميحات وأمنيات، فيكفي أن عنوانها كان بمثابة (تحية) لمسلسل (في حضرة الغياب) الذي كان قيد الإعداد والكتابة والتحضير كما صرّح منتجه الذي قام ببطولته أيضاً (!) وقد أبهجني اتصال الأستاذ زاهي وهبي – معد ومقدم البرنامج – في اليوم التالي لنشر المقالة معبراً عن امتنانه وتقديره واتفاقه معي في كل ما قلته حول ما يجب أن يكون عليه مسلسل درويش الذي يترقبه مثلي تماماً..

ثم جاء شهر رمضان المبارك، وشاهدنا المسلسل، ويا ليتنا لم نشاهده (!) فجميع عناصر المسلسل - التمثيلية - كانت سيئة، لأنها لا بد أن ترتكز على الدور الأساسي لمحور المسلسل وقد كان أسوأ شيء في المسلسل، لأنه كان بعيداً كل البعد عن الإبداع. فالتمثيل إبداع، وإن كان الممثل غير مبدع فسيسقط دوره مهما تكن مقومات ذلك الدور وقيمته الحقيقية. وفراس إبراهيم الذي ظهر أول ما ظهر في مسلسل (أسمهان) مجسداً دور أخيها الذي كان مكروهاً في سياق القصة التي بني عليها المسلسل، ربما ظنّ أنه نجح في أداء دور الشخصية المكروهة وغاب عنه أنه كان في المسلسل (كريهاً) وليس مكروهاً. فالمكروه برأيي هو الشيء الذي يجعلك تكنّ في قلبك الكراهية له والخوف منه أو الحقد عليه، وذلك إبداع تمثيلي دون شك، أما الكريه في هذا النوع من الفن فهو الممثل الذي تكره أن تراه لخلو أدائه من أي إبداع (!) وأجزم أن دور محمود درويش لو كان مسنداً إلى ممثل مبدع كعابد فهد الذي جسّد دور جسّاس في مسلسل الزير سالم بإتقان جعلنا نكره جساساً ونحب أن نراه على الشاشة ونتابعه، أو إياد نصار في تجسيده لشخصية حسن البنا مؤسس (الجماعة) الإخوانية في مصر؛ لأصبح مسلسل محمود درويش واحداً من أهم وأجمل المسلسلات التلفزيونية العربية وتخاطفته القنوات لإعادة عرضه (في حضرة الغياب)..

على كل حال، فقد عُرض المسلسل على نطاق محدود جداً من القنوات غير المشهورة، في رمضان قبل الماضي، ولم نر له إعادات كغيره من المسلسلات العادية والأقل من عادية، فلم يشاهده سوى القلة من الناس، وكل من أعرفهم من أصدقاء الراحل محمود درويش كانوا (كارهين) للمسلسل ومعتبرين أنه غير جدير بالمشاهدة (وقد انصدموا بتدني مستواه الفني بعد احتفائهم به أثناء إعداده، مثلي تماماً) وأعتقد أن السبب لم يكن في أحداث المسلسل أبداً، فقد كانت الأحداث في منتهى الصدق والواقعية، غير أن التمثيل (شخصية محمود درويش تحديداً) لم يكن على قدر من الإبداع الفني الذي يجذب المشاهد لمتابعة الشخصية التي يراها على الشاشة بمنأى عن تاريخها الإبداعيّ الأصليّ والمعروف لدى عامة الناس؛ فهل كان الممثل يتصور أنه سيكون مبدعاً لمجرد أنه يمثل دور مبدع؟!

عندما كتب الشاعر الراحل ممدوح عدوان سيناريو القصة الأسطورية لشخصية الزير سالم، حدثت تغييرات في القصة والسيناريو أجراها المخرج بضغط من القناة المنتجة للمسلسل، وقد رفضها المبدع ممدوح عدوان وأعلن براءته منها – بخاصة في أحداث الحلقات الأخيرة – غير أن أحداً لم يستطع أن يقول بأن المسلسل لم يكن جديراً بالمشاهدة، لماذا؟ لأن من قام بتجسيد الدور الأساسيّ فيها هو الممثل المبدع سلوم حداد، وحيثما يكون ثمة إبداع يكون ثمة ما يستحق المتابعة. تلك ببساطة هي المسألة!

الآن قرأنا في عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية أن السيناريست المصري الشاب وليد يوسف يعقد جلسات عمل مع صديقه المخرج محمد جمعة ليضعا اللمسات النهائية لمسلسل يتناول سيرة الدكتور الراحل مصطفى محمود وتقرر أن يكون اسمه (رجل العلم والإيمان) أما عن المشاركين في المسلسل الذي ينتظر أن يعرض خلال موسم رمضان الدرامي القادم فيقول وليد يوسف: حتى الآن تم الاتفاق مع الفنان خالد النبوي ليقوم بدور البطولة مجسداً شخصية الراحل مصطفى محمود. وأشار وليد يوسف في أكثر من موقع أن المسلسل لن يتعرض للأزمة الأخيرة التي تعرض لها مصطفى محمود والمؤامرة التي أحيكت ضده إثر نشره لكتاب (الشفاعة) ولا إلى إصابته بالزهايمر ومكوثه في بيته لسنوات طويلة فاقداً الذاكرة، لأن ذلك – ربما – سيجعل من المسلسل رداً على خصوم مصطفى محمود، بينما فريق العمل لا يريده أكثر من رسالة محبة تحيي ذكرى الراحل لا أكثر..

كلام وليد يوسف جميل، ورؤيته للهدف من المسلسل غاية في النبل والوفاء، وأنا متفائل بمسلسل مصطفى محمود، برغم أنه يختصره في صفة (رجل العلم والإيمان) وهذا إجحاف في حق الأدب وليس في حق مصطفى محمود، لأن الرجل كان قبل كل شيء وبعده أديباً مبدعاً من طراز مرموق، ويليق بالأدب أن يكون عنوانه الأوضح؛ ومع ذلك أتفاءل لأن أداء دور الشخصية مسند للمثل خالد النبوي، وهو مبدع متخرج من مدرسة المخرج الراحل يوسف شاهين وأعتقد أنه لن يفتقد الإبداع الذي هو المطلب الأساس. فلا أحد يريد أن يعرف شيئاً مخفياً عن مصطفى محمود وهو من هو في كشف خفايا الكون كله للناس، ولكننا نريد فقط أن يأتي المسلسلُ بصورة إبداعية تجذب المشاهدين وترضي العارفين بمصطفى محمود وتقنع غير العارفين به أن يقتربوا من عوالمه ويطالعوا تراثه الأدبي والفكري والعلمي الغزير بمحبة تليق به وتقدير يتناسب مع حياته التي كانت حافلة بالعطاء ومكرّسة بكاملها من أجل تنمية الوعي والتأمل وإدراك الرسالة السامية التي خلق الله من أجلها الإنسان وجعله في طبقات متباينة ومستويات فكرية مختلفة، كلها تكمل بعضها على نحو ما..

ختاماً أقول، كملاحظة في الهامش: كان العدد الخاص للجزيرة الثقافية (143) الصادر بتاريخ 6 مارس 2006 عن محمود درويش علامة فارقة في حياته – رحمه الله، وقد أغفله فريق عمل مسلسل محمود درويش ولم يأت على ذكره ولو بلمحة عابرة. كذلك العدد الخاص عن مصطفى محمود (254) الصادر بتاريخ 7 يوليو 2008 كان حدثاً مفرحاً جداً أسعد قلب المفكر الكبير قبل رحيله – رحمه الله، وأظن أن فريق مسلسله سيغض الطرف عنه أيضاً.. والسبب في الحالتين، برأيي، يعود إلى الصورة النمطية التي رسخت عند الفنانين العرب بأن أي ذكر لحدث درامي يكون مصدره (السعودية) يعني أن دعماً (مادياً) قد قبضوه؛ وتلك تهمة هم أبرياء منها. ولكن الجهة الرسمية المسؤولة عن الثقافة والإعلام لدينا هي من رسّخت ذلك المفهوم حينما ظلت لسنين طويلة تدعم أي عمل تلفزيوني – وإن كان هابطاً – بالشراء والعرض لمجرد أنه يحتوي على عنصر (سعودي)، ثم أوقفت ذلك الدعم مؤخراً ولكن بعد ماذا..؟!

ffnff69@hotmail.com

الرياض

مقالات أخرى للكاتب