Saturday 18/01/2014 Issue 15087 السبت 17 ربيع الأول 1435 العدد
18-01-2014

حسن الهويمل وعلي بن سعد الموسى،. متى يكون هذا؟

في اللقاءات العلمية واللغوية بعيداً عن: الرسميات في هذه اللقاءات التي أسميها: حيوية سواء في: المملكة أو خارج المملكة يكون هناك: ارتفاع لسقف العموميات في الطرح الذي أراه ويراه الزملاء أو الأصدقاء ويكون هذا الارتفاع موجباً لتخطي حاجز التخصص الملزم نظره لو كنا في عملنا الرسمي فلا بد أن يكون المطروح ناجزاً بوجه سالم من كل كشكول.

لا جرم لعل هذا كان قد مر على كثيرين من العلماء والباحثين وذوي الرأي قبل ترك العمل لسبب ما، ففي تضاريس العلم وأصول النقد وحقيقة الآثار، آثار الشرع واللغة والأدب كان يكون كثير من الاستنتاج الموهوب إنما يحصل أثناء استرواح العقل والجو المفعم بروح المبادرة لبذل الجديد الجري وما ألّف ابن قتيبة (أدب لكاتب) و: (عيون الأخبار) وما ألّف الآمدي: (الأحكام) والشاطبي: (الموافقات) والنجاري: (تواريخه الثلاثة) الكبير والصغير والأوسط وما ألّف اللكوني: (الرفع والتكميل)، وما صنّف السيراني شرحه: (الكتاب سيبويه) وما صنّف (بن رجب كتابه المشهور «العلل»، وما صنّف أبو يوسف: (كتاب الخراج)، وما ألَّف ابن خلدون: (المقدمة) وما ألَّف ابن جرير الطبري (تاريخ الأمم والملوك) وما ألَّف كذلك الذهبي (تاريخ الإسلام المطول).

ما قام هؤلاء بما قاموا به إلا في حال استرواح للعقل المتجرد الجاد العميق بعيداً عن صرب العجلة والسرد والإنشاء، وهم في حال جادة من تجرد تام من دغدغة العاطفة خوفاً أن تطغى على حرية: العقل.

ولهذا جاء في الأثر وهو نص صحيح وحجة تامة في ميزان وأسس الأعمال الجليلة إن في الشريعة/ أو السياسة/ أو الإدارة/ أو الاجتماع/ جاء هناك: (أن هذا الدين يسر، وبشّروا ولا تنفّروا، ولن يشادّ الدين أحدٌ إلا غلبه فأوغلوا فيه برفق).

فالإيغال دون هدوء ودون دراية ودون صدق نيَّة وتوجه، ودون عمق صحيح صادق جيد عادل نزيه الإيغال دون هذا يجر أياً كان إلى التشنج حال النقد أو الملاحظة أو الاختلاف، وقد يجر إلى أن يفتي كل أحد وينتقد كل أحد ويلاحظ كل أحد من كاتب وباحث ومثقف وقد يستعمل الكاتب اليومي أو الكاتب الأسبوعي قد يستعمل سبيل التهكم والسخرية وكأنه ابن بجدتها؛ وهذا يعني أنه يصدق نفسه في آرائه وما يذهب إليه لا سيما إذا كان ذا جرأة إنشائية مستطردة وهذا ما كنت أنهى عنه جملة من نقدة التاريخ ومن يزاول النقد التلقائي العجول بدليل أن هؤلاء لا يرد عليهم أحد، بل يبقون دهراً طويلاً محل ضحك ونكت وتنّدر وقد.. هم.. لا يعون هذا لأن جوهم مشحون من خلال نفسية خاصة وتراكمات خاصة لأنهم يخالون من يعجب بطرحهم وجرأتهم بينما هم أسيرو وأسارى تراكمات لا شعورية في سبيل إسقطات لغوية ليست بذاك، وهذا وحده كنت أجزم وصدق جزمي أن هذا النوع كتاباتهم وقتية طرفية وهم بهذا قد يكون أمرهم حجر عثرة في سبيل الوشوشة على الصادقين الأمناء الجادين الذين آهات الإبداع ويكتبون لذات التجديد كتابات هي محل الخلود لما تزفر به أقلامهم تلمساً لحاجة الأمة المسلمة إلى الإضافات الباقية على سبيل نقد المتون بروح تجديدية كما فعلها: ابن رجب، وابن المديني، وابن عساكر، وابن فرحون، والقرافي، والدارقطني، والنووي، وابن كثير، أو على سبيل نقد الآراء بروح خلوقة جد خلوقة حسنة عالية كريمة كما فعلها ابن قتيبة، وابن رشيق، وابن رشد، أعني: الجد، والأجري، وابن خلدون وابن الأثير الجزري، والعقيلي، والذهبي، وابن الجوزي وابن تيمية.

وفيما أعرّج بكم على أبي الحسن الأشعري فلأنه ارتكب وركب طبقاً فوق طبق بأن له خللاً مسعاه حينما تدبر ونظر وحينما لم يول مستكبراً وحينما تحقق له أنه كان متلهفاً إلى نشدان الاستحسان فهناك من يؤلدجه ويدفعه يؤلدجه ويدفعه إلى أن يكون مسكيناً ليس إلا آلة.

فيما بان له ذلك كله لا بعضه أعلنها في: (الإبانة عند أصول الديانة). وبيّنها في: (مقالات الإسلاميين) فكان أن قاله التاريخ أنت هو.

من هنا نبدأ ومن هنا نحرث الأرض اليافعة حرثاً يقوم على أصول لا يسقط ورقها أبد الدهر وليست إلا سلسلة من قوم قروم عبروا الحياة فأدركوا أنهم يجب أن يكونوا هم لا كما يريد لهم غيرهم أن يكونوا.

ولست بمستبقٍ أخٍ لا أعاتُبُه لكن للعتب مكانه وللمطارحة موضعها ولكل شيء تمامه.

* من هذه الحيثية فإنني كنت خلال وقت سلف أهاتف رجلاً عزيزاً عليَّ وعلى الكتابة الجيدة.. والطرح الجيد بوضوح رؤية وانتقاء للفظ ليكون المعنى ذلك المعنى الجيد، كنت أهاتف أ. علي بن سعد الموسى للإصلاح بينه وبين كاتب آخر هو الآخر ذو خلق حسن.

كان قد جرى بينهما ما يجري عادة بين كاتب وكاتب وباحث وباحث آخر فكان أن استجاب لوساطتي وطوى النقد في حينه وطوى الرد الذي لا يولّد إلا ما لا يريده أحد.

وكذلك كان ذلك الكاتب الجيد الذي طوى ما طوى عند: حسن خلق وجمال عمل.

أدلف.. الآن.. إلى المراد ذلك المراد الذي دعاني إليه كثيراً طرح أ. الموسى بين فينة وأخرى ليأتي بيان ما جيد وملاحظة جيدة ورأي جيد ما بين اجتماعي وهو ما يغلب على طرحه وبين ثقافي واقتصادي.

من هنا فالموسى طاقة لديه من الخير الكثير ومن الولاء لوطنه الكثير وهذان أمران دلا حسب تتبعي إلى طاقة لعله يحس بها لكنه لم يكتشفها بعد أو قد أدركها لكنه يبثها ويرى أنه بهذا فعلها وهو إنما يخزنها لحينها لا أدري، وثقافة هذا الرجل عالية ومعلوماته وافرة لكن حبذا لو أضاف جديداً بمقالات متتالية لا تطرح العرض، بل تطرح المرض الذي يراه ينخر في ثنايا (مكانك قف) إن في المحاضرات المكررة أو المقالات الإنشائية العجولة أو ما أراه من (حطب الليل) في كثير مما يطرح لا سيما في بعض (النوادي الأدبية) والتي جزعت كثيراً حينما عُرضت عليّ بعض أعمال هذه النوادي.. فكنت أجد العجلة وبعض الآثار العنيفة ولغة تحتاج إلى قوة اللفظ.

أخلص إلى القول إنني متفائل بالموسى أن يساهم في جمع متفرّقات أطروحاته الممتازة لتتحد نحو: مسار واحد في قالب واحد نحو هدف واحد هو محاولة نظر هذا الركون العلمي واللغوي والثقافي ولماذا يتجه البعض إلى جلب: آراء ونظريات نجدها جزماً ليست بذاك فقط لو عدنا جذعة إلى (سير أعلام النبلاء) أو (بدائع الفوائد) أو (وحي القلم).

قلت: (محاولة، نظر هذا الركون.... ) مع ما بذلته وتبذله الدولة من جهود كبيرة علماً ومالاً وجهداً وحرصاً، أليس هذا يمكن أن يصاغ على سبيل: السؤال يمكن.. وكيف لا..؟

لكن هذا كله - وأيم الحق- يحتاج إلى طول تأمل وقراءة متأنية وبذل لعل الوادي ينحسر عن طمي نافع مبارك عن طمي تشبع منه.. العروق.. فتثمر عن ذي خضار خالد لعله ليس يبور، ولعل أرد (الهويمل) ذو الباع الكبير هو الآخر في مجال الحيوي النقدي لم أزل أنظر إلى طرحه وسعة مداركه الأدبية لم أزل أنظر إلى ذلك أتنبأ أنه يلوي عنان القلم نحو إضافة جديدة معتبرة لم تكن من قبل.

وحينما تقرأ (للهويمل) في (الجزيرة) في مقالاته الأسبوعية تحس ذلك الحراك اللا شعوري أن لديه قدرات قد يستطيع بثها من خلال توحيد ما يكتب توحيداً جيداً تصب إليه عاطشات العقول تلك التي ترنو إلى تناول شيء غير دراسة الأعمال الأدبية أو عرض أو ملاحظة أشياء قد تكون ذات تكرار أو هي مما يعلم من حال واقع الأدب واللغة والثقافة بالضرورة.

وأغلب الظن أن توحيد كتابات الهويمل في مسار واحد نحو اتجاه واحد لغاية واحدة جليلة هو نفسه ما يبحث عنه، إن عملية النقد غير عملية دراسة عمل أو أعمال.

إن الهدف من كل ما يكتبه.. الهويمل.. هو تنوير وتبصير من يحتاج إلى ذلك نحو: حقيقة رسالة الناقد والمثقف والأديب تعبيراً حياً له قيمته الكبيرة فقط لو أن الهويمل كرَّس جهده جله نحو: فقد الأعمال لا دراستها أو الملاحظة عليها، وهو قمنٌ بأن يكون كذلك، وأحسبه من ثلة تحمل الشعور بالمسؤولية صوب الحاجة إلى: (الإضافات) التي أطالبه بها..

إن طلبي ورغبتي وما أنشده من (الهويمل.. والموسى) لن يذهب في مهب الريح ذلك أنهما كاتبان سيدان هذا: أديب جيد.. وذاك كاتب اجتماعي جيد وهذا وذاك أرغب إليهما رغبتي هذه ملحاً الإلحاح كله أن نقرأ لهما وأقرأ لهما ما يصنع شيئاً ناهيك به من شيء يسير الحال وليس هو بالمحال لا سيما وهما مع ثلة جيدة لهم باع حسن في حرارة نشدان الإضافات السباقة غير المكررة.

الرياض

مقالات أخرى للكاتب