Monday 20/01/2014 Issue 15089 الأثنين 19 ربيع الأول 1435 العدد
20-01-2014

اللهم اكشف الويلات عن أُمَّتنا -2-

ويلات أُمَّتنا مُتعدِّدة. غير أن أَنكاها وأَشدَّها في السنوات الثلاث الأخيرة مأساة سوريا الفظيعة. وهذا مدار الحديث في هذه الحلقة من المقالة. عندما بدأت الهَبَّة في سوريا متزامنة مع هبَّات شعبية

قامت في عدة أقطار عربية كنت أدرك أن الوضع في سوريا مختلف عن الأوضاع في تلك الأقطار.

وكان إدراكي مبنيّاً على تَأمُّل في الوضع السوري؛ داخليّاً وخارجيّاً. كان المُتحكِّمون هناك يدركون أنهم أَقليَّة إذا أرادت أن تَظلَّ ممسكة بالحكم، الذي وصلت إليه، فلابد أن تكون أجهزة أمنها قوية؛ بل ومُتعدِّدة يُراقب كل واحد منها الأجهزة الأخرى؛ إضافة - بطبيعة الحال - إلى مراقبة الشعب. وكان من أَساليب أولئك المُتحكِّمين الذكية أنهم يُعيِّنون، أحياناً، أناساً من أكثرية الشعب، الذين هم سُنَّة، على رأس جهاز من الأجهزة، لكن الأمور تُّسيَّر من قِبَل من هم أَقلُّ مكانةً رسميّاً. وكان المُتحكِّمون واثقين كُلَّ الثقة من وقوف إيران معهم بكل ما يَتَّصف به القادة الإيرانيون من دهاء وحقد على العرب السُّنَّة، الذين هم أكثرية العرب، كما كانوا واثقين، أيضاً، من وقوف روسيا معهم؛ سياسيّاً وإمداداً بالسلاح المُتطوِّر جدّاً.

ولقد كتبت عِدَّة مقالات عن الوضع السوري الكارثي، وأوضحت ما أراه بشيء من التفصيل. ومن مضمون ما ذكرته عن ذلك أن الهَبَّة التي قامت في سوريا ظَلَّت ستة أشهر وهي سلمية الطابع، لكن المجازر الفظيعة التي يرتكبها المُتحكِّمون هناك بمختلف أنواع الأسلحة الفَتَّاكة لم تَتوَّقف أو تَقلَّ فظاعتها. ومع ذلك فقد كان موقف الأمين العام للجامعة العربية سيئاً؛ إذ سافر إلى دمشق وعاد منها ليصرِّح أن رئيس أولئك المُتحكِّمين وعده بالإصلاح. وزاد موقفه سوءاً حين اختار لرئاسة الفريق الذي أرسلته الجامعة رجلاً له من السيرة السيئة ما عرفته مشكلة دارفور. وكان من انحياز هذا السيء السيرة إلى المُتحكِّمين في سوريا أن استقال عن الفريق أحد أعضائه؛ وهو جزائري برهن على أمانته في حمل الأمانة، وغادر إلى موطنه الجزائر محتجّاً. ثم فضح للعالم ما رآه من تَعمُّدٍ لإخفاء جرائم النظام السوري الشنيعة المرتكبة بحق المطالبين سلميّاً بالحُرية وإزالة الظلم. ثم أسندت مَهمَّة التعامل مع الوضع السوري - أو الكارثة السورية - إلى كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة. لكن مَهمَّته فشلت. وبعد ذلك أسندت القضية إلى من هو أشد سوءاً؛ وهو الأخضر الإبراهيمي، الذي يَتَّضح للجميع انحيازه إلى النظام السوري والنظام الإيراني، الذي هو الوجه الآخر للنظام السوري المدعومين من قِبَل روسيا.

ومما ذكرته في المقالات التي كتبتها أن أمريكا؛ وهي زعيمة العالم الغربي الأقوى نفوذاً في العالم، قد صَرَّح رئيسها في الشهر الأول من قيام الهَبَّة الشعبية في سوريا أن الأسد فقد شرعيته ولكن سرعان ما بدأ الموقف الأمريكي يَتغيَّر. والسبب الواضح في هذا أن الكيان الصهيوني بَيَّن علناً أن لا مصلحة له في زوال حكم الأسد. ذلك أن الكيان رأى أن حدوده مع سوريا لم تشهد ما يُعكِّر صفوها عمليّاً منذ احتلاله للجولان قبل عقود مع مُضيه في تهويد ما احتَّله، عام 1967م، من فلسطين بما في ذلك القدس. وما دام الصهاينة لا يرون مصلحة لهم في زوال النظام المُتحكِّم في سوريا فإن من المعروف أن أمريكا لا يمكن أن تُقدِم على ما هو في غير مصلحة كيانهم.

وهكذا بدأ التخاذل عن مناصرة الحق، ثم زاد الأمر سوءاً بأن أصبح التباطؤ عن المناصرة تواطؤاً مع مرتكبي الجرائم الشنيعة وأعوانهم. وبعد ذلك أصبح هناك خضوع واضح لإرادة أعوان المجرمين ومشاركيهم بتلك الجرائم. فكتبت مقالة عنوانها: « طأطأة الرؤوس أمام تَحدِّي إيران والروس». وأوضحت فيها ما رأيته من أسباب ذلك. على أني ذكرت في المقالة أن السبب الأكبر بالنسبة لأمريكا هو أن موقفها مرتبط أَشدَّ الارتباط بموقف الكيان الصهيوني؛ وهو الموقف الذي سبقت الإشارة إليه. وهذا مما جعل إرادة إيران وروسيا هي المهيمنة الآن.

على أن من المؤلم أن المنتفضين ضد النظام السوري الإجرامي لم يستطيعوا أن يُوحِّدوا صفوفهم ليكونوا أكثر قوة ويكسبوا إلى جانبهم تعاطفاً من الدول والشعوب التي تُقدِّر الحُرِّية والعدل.

وختاماً أعيد العبارة التي جعلتها عنواناً للمقالة: « اللهم اكشف الويلات عن أُمَّتنا».

مقالات أخرى للكاتب