Monday 20/01/2014 Issue 15089 الأثنين 19 ربيع الأول 1435 العدد
20-01-2014

غارات على أسواق الخضار

الحروب الدموية، والقلاقل المؤسفة في بعض الدول العربية، وتزايد الفرقة، وتفاقم النزاعات، والتوتر، والدمار المنظم بشكل وحشي من اجل تدمير يوميات المواطن العربي، الذي بات يُختزل بمشاهد أليمة، تظهر من خلال بشاعة الجريمة في حق الملايين الذين يفرون إلى أي مكان للنجاة بأرواحهم، ومن يبقى سيكون عرضة للتنكيل والبطش، وتسابق القتلة إليه لتصفية الحسابات بشكل دموي، حتى أنك ترى فرق الموت أكثر من رؤيتك لفرق الإسعاف أو الإطفاء.

الطريف الأليم أو الذي لا يخلو من شعور فادح وقاتم على نحو «الكوميديا السوداء» هو خبر تناقلته الوكالات موثقا بالصور النارية الملتهبة بأن جيش النظام الوحشي في سوريا بات يكثف غاراته على ما تبقى من أسواق الخضار، والمستشفيات، والمخابز في كل مدينة لا تزال تقاوم همجية ووحشية هذا النظام!

فخبر «غارات على أسواق الخضار» كنا نظنه هجوما ما من قبل الناس أو غارات المفتشين على الأسواق، إما بغرض التسوق، أو البحث عن القوت، أو ضبط المخالفين .. هذا إذا ادعينا أننا في زمن الهدوء والرخاء، أما وأن كان سوق الخضار في سوريا هذه الأيام هو ساحة حرب على الخصوم والمناوئين فإن الأمر لا يخلو من مرض نفسي أو عقد مريرة عند هؤلاء الجلاوزة والمجرمين الذين تعرفهم أو تراهم رأي العين، أو من تطالعهم وهم بأناقتهم التامة يديرون الحروب ويزرعون الدمار وفي ذات الوقت يدعون الدفاع عن الوطن وأهله.

يحسبون أن هناك من يصدقهم، ويتوهمون بأن الزمن كفيل بطمس المصائب والكوارث التي تسببوا فيها، ولم تزدهم تلك الجرائم البشعة التي مرت بالناس في دكاكينهم ومحلاتهم ومزارعهم إلا ضراوة وقسوة، وكأن الجلادون في العالم يتناسلون ويفرخون مزيدا من الجلادين الصغار الذين يتربون على هذا الحقد الدفين حتى على من يتسوق في محلات الخضار أو البقالة، أو أي مكان لا تتوقع أن يطاله هذا الهجوم النازي.. الناري الشرس.

كيف يكون سوق الخضار في سوريا هدفاً للغارات اليومية أو القصف المتكرر لطيران جيش النظام وبراميله المتفجرة ومدفعيته المتعطشة للدمار؟! سؤال تجد له إجابات حينما تتأمل ما يقصفه أيضا على نحو المخابز والمشافي ودور الأيتام والمسنين على الرغم من ضعف وندرة ما يوجد فيها من مقاومة محتملة، لكنها محاولات يائسة لتركيع هؤلاء وتجويعهم وإيلامهم والبحث عن أي أمر يقطع عليهم إمدادات الحياة اليومية، من أجل أن ينكلوا بهؤلاء ويمحوهم عن خارطة الحياة، ويقتلعهم ـ إن تسنى لهم ذلك ـ من تراب الوطن.

فمن يفتش في قواميس الحياة، أو الأخبار والتقارير والمذكرات لأهل الحروب لن يجد هذا البعد السيئ أو التخصص الوضيع حينما تتكرر غاراتهم الحربية على بقايا سوق خضار، أو محتويات مخبز بسيط، أو مشفى بإمكانات متواضعة!! .. فماذا ترك إذاً هؤلاء للنازيين والمجرمين والمرتزقة والقتلة، وقطاع الطرق واللصوص الخطرين؟!.

hrbda2000@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب