Tuesday 21/01/2014 Issue 15090 الثلاثاء 20 ربيع الأول 1435 العدد
21-01-2014

القاعديون والداعشيون

شروط الانضمام إلى (داعش) هي ذاتها شروط الانضمام إلى (القاعدة)؛ أول هذه الشروط وأهمها والتي لا تقبل فيها الوساطات والشفاعات أن تكون مُغفلاً غبياً أبلهاً، وشجاعاً في الوقت ذاته؛ تُساق كالكبش الأصمع إلى حتفك فلا تملك إلا أن تواكب القطيع. فأمير التنظيم هو للداعشي أو القاعدي كالراعي لقطيع الأغنام؛ والأتباع هم الأكباش والشياه والأغنام يسوقها الراعي ويوجهها أينما وكيفما أراد.

ورغم اختلافي الجذري مع نظام بشار الأسد إلا أن من العدل القول إن دوائر مخابراته هي من أذكى وأدهى من عرف كيف يتعامل مع ظاهرة القاعدة ومنتجاتها.

فبدلاً من أن يواجه ثورة شعبه (السلمية) التي كانت ترفع شعار (سوريا بدها حرية) عندما انطلقت، اخترق تنظيمات الجهاديين بمساعدة إيران، وعَيّن قادتهم دون أن يشعر الأتباع، ثم تركهم يكتسحون المناطق التي كانت تسمى (المحررة) في سوريا، ليعرف السوريون (أولاً) أن البديل لنظامه هم هؤلاء المتوحشون الأوباش، وليعرف العالم (ثانياً) أن سقوط نظامه هو انتصار للإرهاب؛ وقد نجح بامتياز في تحقيق هذه الأهداف.

قبل أيام عرضت قناة السي إن إن الأمريكية برنامجاً أعد بعناية تحت عنوان (القاعدة على أعتاب أوربا)، عرضت فيه صوراً عن كيف يحكم (الجهاديون) المناطق المحررة من سوريا وركزت على الجوانب العقابية كالجلد وقطع الرؤوس والتعامل مع المخالفين بقسوة دون أي مبرر لا شرعي ولا قيَمي؛ فحفرت من خلالها في ذهن المتلقي الغربي صورة نمطية عن الجهاديين تقول: هؤلاء هم البديل لبشار؛ وسقوطه وانتصار هؤلاء يعني أنهم سيكونون على أعتاب أوربا.

وتنتشر على موقع (اليوتيوب) على الإنترنت مقاطع فيديو لممارسات الجهاديين في سوريا وأغلبها عن (رؤوس) قطعها الجهاديون ثم صوروا معها على اعتبار أن هذه الممارسات تلقي في قلوب الذين كفروا الرعب كما علق أحدهم عنها في (تويتر).

ونسي هؤلاء البسطاء أن الغرب (الكافر) لو أراد إبادتهم عن بكرة أبيهم ووظف ذريعة (التترس) التي يوظفونها ضده في قتل الأبرياء المدنيين، لما احتاج لأكثر من قنبلة ذرية (بدائية) لتجعل منهم ومن انتصاراتهم المزعومة أثراً بعد عين وتاريخاً يُروى كما حصل في اليابان خلال الحرب العالمية الثانية.

ورغم الدماء والتدمير الذي أحدثته القاعدة ومنتجاتها للصورة النمطية للإسلام والمسلمين في كل أنحاء المعمورة فإن (القاعدة) وأساطينها وثقافتها في تقديري تعيش الآن آخر أيامها، والفضل في تراجع شعبيتها الذي سيؤدي (حتماً) إلى سقوطها يعود لتقنية الصورة الثابتة والمتحركة وتداولها من خلال القنوات الفضائية أو من خلال مواقع الإنترنت.

يقول العرب: (ليس من سمع كمن رأى)؛ فالناس كانت تسمع وتقرأ عن جرائم القاعدة والجهاديين ودمويتهم وعشقهم المريض للتدمير والتخريب والفوضى، إلا أن ذريعة محاربة (الغرب) المنتصر بالنسبة للإنسان المهزوم حضاريا كانت في مرحلة سابقة كافية لاستقطاب المناصرين من بسطاء المسلمين لينضوي جزء منهم تحت لوائها كمجاهدين فعليين أو كأنصار داعمين.

وعندما (رأى) الإنسان المسلم (غير المؤدلج) رأي العين ممارسات هؤلاء الجهاديين من خلال الصورة، سواء في القنوات الفضائية أو في (اليوتيوب) على الإنترنيت، رأى أيَّ صنف من الوحوش هؤلاء.

فالجهاد في سوريا والكم الهائل من صور الرؤوس المقطوعة والمناظر الوحشية وتقاتل فصائل الجهاديين مع بعضها البعض وكل يدّعي أن الحق معه، أصابت ثقافة الجهاد والجهاديين في مقتل، وانعكس ذلك بشكل واسع ليس على القاعدة فحسب، وإنما على كل الحركات المـتأسلمة؛ خاصة تيار (الحركيين السروريين) في بلادنا الذين بذل أساطينه ودعاته كل ما يستطيعون من جهود لتشجيع الناس على الجهاد والنفرة إلى سوريا، فتنبّه الناسُ أخيراً إلى الحقيقة التي تقول إن هؤلاء وأولئك ينتمون لذات الثقافة الدموية وجميعهم ينتحون من معين واحد.

سيسقط نظام الاسد حتماً طال الزمن أو قصر لكنه استطاع أن يكشف قبل سقوطه ليس فقط حقيقة (حزب الله) الذي (كان) يقول إنه سيحرر فلسطين، وإنما - أيضاً - ما يُسمى التنظيمات الجهادية المتأسلمة؛ فقد أظهر للناس مدى القبح والبشاعة التي تكتنف فكر وممارسات هؤلاء القتلة الدمويين من الطرفين.

إلى اللقاء

مقالات أخرى للكاتب