Saturday 25/01/2014 Issue 15094 السبت 24 ربيع الأول 1435 العدد
25-01-2014

الشباب وتحديات الحضارة

محمد كرين واحد من المفكرين المغاربة يترأس مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير، استحضر فيه ثباته على قيمه ومبادئه، ومُضَحّ في سبيل آمالها المنشودة، المعروف بمناقبه الأخلاقية الكبيرة العلمية السامية...

وبقدر اهتمامه بدراسته وممارسته للسياسة وتراكماتها المعرفية والعلمية، فإنه يسائل تاريخ بلاده ووطنه العربي، باحثا عن أجوبة كان في أمس الحاجة إليها.... ليتجول دون أن يشعر في مقدمة ابن خلدون وعصره، ورحلات ابن بطوطة وملاحظاته والاستقصاء وتاريخه ومئات المراجع المغربية والأجنبية، فعشق البحث والتنقيب ولدت لديه «حاسة سادسة» مكنته من التعمق والمكنة في تحليل التاريخ وأسراره والأحداث وتشعباتها، باحثا عن أجوبة منذ صغره وهي ستحدد مسار الشاب الذي سيصبح من رموز الفاعلين المقتدرين في المغرب المعاصر.

وبقدر ما تمرس على الدرس والبحث، بقدر ما تمرس على العمل الوطني، ومع تراكمات المعرفة والتجربة والتضحية، تكونت شخصيته الجذابة ومواهبه المتعددة وطموحاته العلمية والتزاماته الإنسانية. ونشرت له مقالة متميزة في الدليل المغربي للإستراتيجية والعلاقات الدولية الجديد عن دور الشباب في تحالف الحضارات وهي مقالة متميزة أنصح بالرجوع إليها. فهو يثير الانتباه إلى أن مقولة صدام الحضارات تدخل في إطار إذكاء النعرة بين الغرب وباقي مناطق العالم الأخرى وخاصة العالم العربي الإسلامي. ولقد ظهر هذا المنحى بجلاء بعد سقوط جدار برلين وانتهاء القطبية الثنائية ودخول العلاقات الدولية في نظام القطبية الأحادية، وذلك لفقدان الولايات المتحدة الأمريكية لغريم حضاري يستعمل كفزاعة تعلل المجهود الحربي لاعتماد اقتصادها على المركب الصناعي العسكري.

ولقد حدد هنتنغتون الخصوم الحضاريين للغرب وهما الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الآسيوية الكنفوشيوسية داعيا الغرب إلى «توحيد صفوفه والارتقاء بالتعامل داخل حضارته بين مكوناته الأمريكية الشمالية والأوربية مع العمل على إدماج مجتمعات أوربا الشرقية وأمريكا اللاتينية التي تتوفر على ثقافات قريبة من الثقافة الغربية».

ويضيف هنتنغتون أن على الغرب كذلك «الحد من التوسع العسكري للحضارات التي تحمل العداء له وهي بالأساس الكنفوشيوسية والعربية الإسلامية والعمل على استغلال الصراعات والاختلافات الموجودة سواء بين الدول الكنفوشيوسية أو بين الأقطار العربية الإسلامية».

ومن جانب آخر فليس هناك تعريف علمي ومحدد لمفهوم الحضارة حيث غالبا ما تعتبر أنها تضم الثقافة كمعرفة وسلوكيات وعادات ومعتقدات وأنماط عيش مع البعد التكنولوجي الذي يعد الوسيلة التي تمكن من انتشار هذه الثقافة وإغنائها وإعادة إنتاجها. ففي بعض اللغات توجد كلمة وحيدة تعني في نفس الوقت الثقافة والحضارة مثال كلمة «kulture» في اللغة الألمانية.

وبالتالي فإن حوار الحضارات يكون بالدرجة الأولى ثقافيا بحكم أن الثقافة تتميز بالانفتاح والتنوع والتسامح، فليست هناك ثقافة نقية محضة، بل ثقافات متلاقحة ومختلطة لأن كل ثقافة منغلقة هي ثقافة ميتة. فالثقافة الحية تتلاقح باستمرار، مما يؤدي إلى نوع من التثاقف، وفي هذا الإطار فإن الشباب له منحى للاستيعاب والتكيف مع الثقافات. لكن هذا الأمر لا ينطبق على الكل، بل هو مرتبط بالمسارات المختلفة التي تمر بها مختلف الفئات الشبابية. ويمكن تصنيف هذه الفئات في العالم العربي الإسلامي في ثلاثة أصناف:

الصنف الأول متكون من الشباب المستلب والمنبهر بالثقافة الغربية مما يجعلنا نتكلم عن نوع من التغريب والصنف الثاني متكون من الشباب المنغلق على الذات.

وهذان الصنفان من الشباب يلتقيان موضوعيا حول مسألة نهاية التاريخ والفرق فقط هو أن الصنف المستلب يعتبر أن نهاية التاريخ هي النموذج الغربي الرأسمالي الليبرالي أي يضع نهاية التاريخ مع نهاية القرن الماضي في حين أن الصنف المنغلق من الشباب فإنه يضع نهاية التاريخ عدة قرون إلى الوراء في نوع من الحنين إلى عصر ازدهار الأمة العربية الإسلامية.

وهذان المنحيان المستلب والمنغلق عامة ما يكون مرتبطا بمسألة اللغة على اعتبار أن هذه الأخيرة ليست فقط أداة التواصل بل هي كذلك عنصر أساسي في تحديد البنية العقلية للأشخاص، وغالبا ما يكون الشباب المستلب منبهرا باللغات الغربية إلى درجة أنه يحتقر اللغة العربية وبالتالي التراث العربي والإسلامي.

أما الصنف الثالث من الشباب كما يكتب الأستاذ محمد كرين فهو المتثاقف القادر على الاستيعاب دون الاستيلاب لشباب منطلق من فهم عميق وصحيح لمكنوزه التراثي ومطلع على التراث الإنساني، شباب قادر على استيعاب كل ما هو كوني في الثقافات الأخرى وقادر على السمو بموروثه الثقافي إلى مستوى الكونية.

وهذا الصنف الأخير قادر على تجاوز المقاربتين المتناقضتين التي تقول إما بالتقليد الأعمى للغرب وإما التقوقع والانغلاق على النفس لأنها غير كفيلة بالتأسيس لتلاقح مثمر بين الثقافات.

وحسب كاتبنا فإن الاجتهاد بالرقي بخصوصياتنا إلى مستوى الكونية سيغني هذه الكونية ويجعلها أكثر كونية والحضارة الإسلامية أعطت إسهامات عظيمة للحضارة الإنسانية ولا زالت قادرة على ذلك وهي مؤهلة لكي تندرج في عصرها وأن تستعيد دورها النهضوي.

فعبر التاريخ، كان الإسلام دائما في خدمة الإنسان بغض النظر عن معتقداته. فهذا الدين تمكن من خلق حضارة كونية متعددة الأجناس. ولم يحدث أن اضطهدت الأقلية بل العكس، فلا يوجد في الإسلام «ما يشبه طرد اليهود والمسلمين من الأندلس والتفتيش والإعدام بالحرق؛ دون الحديث عن جرائم حديثة العهد كالنازية وغيره.

فالحضارة العربية الإسلامية احتضنت العنصر اليهودي الشرقي وأدمجته كما أدمجت الفارسي والعربي والإفريقي والأمازيغي؛ فوفرت شروط تلاقح الفكر الإنساني فكانت بحق حضارة إنسانية بكل المعايير. هذا التلاقح، في إطار صيانة الهوية والأخذ بالاختلاف كرحمة، يعد أرقى ما توصلت إليه الحضارة الإنسانية.

إلى هنا يتطرق الأستاذ كرين إلى الشباب في منطقتنا العربية الإسلامية، أما في العالم الغربي فإن الشباب هناك غالبا ما يتعاملون مع الثقافات الأخرى وخاصة الإسلامية بنوع من التعالي، هذا بالنسبة للشباب المثقف، أما العامة فغالبا ما تنظر إلى كل ما هو إسلامي بنوع من الريبة والخوف وذلك بالأساس لعدم معرفتها لهذا الآخر، عملا بالمقولة المشهورة «كل مجهول فهو عدو محتمل»؛ وهذا يظهر بجلاء لدى الأمريكيين الذين يجهلون ما يدور في العالم وكمثال على ذلك نذكر بأن أكثر من نصف الأمريكيين لا يتوفرون على جواز للسفر حيث لا يفكرون حتى في السفر إلى الخارج. ولقد ظهر جليا في عهد الرئيس بوش الذي تبين في أحد اللقاءات أنه لا يعرف حتى الموقع الجغرافي لبلد كالعراق.

أما في أوربا فإن احتقار الثقافات مبني كذلك على آلة المُستعمر التي لازالت حاضرة رغم نهاية الاستعمار منذ نصف قرن ومن منطلق عامل التفوق والفكر الأوربي المركزي حسب زعم العديد من الغربيين.

خلاصة القول هو أنه كلما كونا الشباب وعلمناه اللغات الأجنبية وربيناه على روح التسامح والانفتاح والقبول بالآخر أكثرنا من الشباب المتثاقف القادر على النهوض بحوار الثقافات وبتلاقحها، فهذا الصنف من الشباب سيكون مؤهلا للتعريف جيدا بمخزوننا الحضاري الهائل لدى شعوب العالم وخاصة الشباب، مما سيسهم في جعل الحضارات تتعايش وتتبادل أحسن ما لديها لتعطي للسلام كل فرصة وللتقدم البشري كل حظوظه. وهنا لابد من الإشارة إلى أن ذلك يتطلب الاحترام المتبادل بين الأمم، الشيء الذي نرى عدم التقيد به تحت ذريعة حرية التعبير والرأي.

مقالات أخرى للكاتب