البردوني في ضيافة المعري

مَنْ تلظّى نبوغه كاد يعمى!

كاد من شهرة اسمه لا يُسمّى

وإن كانت من دم ابن الحسين المتنبي إلا أنها تجري في دمائنا! كدتُ أضربُ إليك أكبادَ الإبل وقد عوضنا الله عن أكبادها ما لم تره أو تسمع به ولكنّي آثرت ما يُقرّب لديك لآلة السفر، وأنا ضريرٌ لا أحسنُ الكرَ والفرَ ولا احتمل الحرّ والقرَّ ولا أعرف الحلب والصرَّ، غير عقلٍ أحسنُ الإدراك به ولسان ينطق بالبيان وقلب يهفو نحو الحسان أسبر أغوار أرض تحفها البراري والضفا وتحجزها الرمال والأودية غير آبهٍ بوحوش الفلا ولا طيور السما أحثُ الخطى إليك بقلب ينتظر اللقا وبإذن تعشق كما العين في الخفا ولا أحسن ما تحسنه من النرد والشطرنج ولا أعرف البراذين وركوب الخيل والسرج، وآكل من اللحوم ما لاتأكله سوى الفالوذج فهما والنبات عندي سواء لا أفضّلُ أحدهما على الآخر عند اللقاء، وأني أذكر الألوان كلها ومع تقادم الأيام أضيع في بعضها فيما أنت ليس في قلبك سوى الأحمر حيث أُلبست ثوباً عصفر ولأن كلينا كان الجدري قد اكتفى بالعمى عن الموت فهدانا إلى ماكنّا لنهتدي لو كنّا مبصرين! ربما يكون ذلك وربما لا يكون! وكلانا لم يكن المال همّه ولا الجاه ابن عمّه، ولذلك رفضتَ المال في العلن والسر ولم تقبل بهدايا المستنصر، أتيتك من بلدٍ قومه في حيص بيص تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى! وإذا بي أسمع أزيز الطائرات تهد معرّتك هدّا! ماالفرق بين هذا وذاك!؟ بيدي لا بيد عمرو، ويداك أوكتا وفوك نفخ، فظيع جهل ما يجري وأفظع منه أن تدري..! ولم نجهل ونحن ندري! ولكن ماعسانا أن نفعل! كادت عزائمي تخور في السير إليك بعد أن تكالبت الدنيا عليك!! وقد اتهموك ووصفوك وزندقوك وكفّروك وجعلوا الشك في نفسك عقيدة وفصولك وغاياتك عن الإيمان بعيدة ، وسارت بذلك الركبان وكتبوا عنك ما يكتب عن الحلاج وغيره من بغداد ومصر ومعرّة النعمان، بل بلغ بلويس عوض أن جعلك متأثراً بالأديرة والمسيحية ولم ينبر له سوى شيخ فيه العوض ونفى بشواهد وأدلة علنية، وقد حبستَ نفسك في اثنتين وسُميت رهين المحبسين وأنا معك في واحدة وأجبروني على الثانية لأني أحببت وطني فغاليت في التضحية فكنتُ حبيسَ العمى والسجن وجعلتها أنتَ ثالثة النفس في البدن ، وخفتَ أن تجني ما جناه أبوك، فعشتَ وحيداً فريداً. وخالفتك في هذه وجنيتُ من ذلك وليداً، مهما كنت في الشمال وأنا في الجنوب فالهوى يماني وقد أتيتك ببلقيس وحكاية العشق الأعمى وما نراه نحن لا يراه المبصرون، وما يرونه قد لا نحب أن نراه وما لم تره أنت وأحسته فأنا على شاكلتك غير أني في زمن أتعس من زمنك بين رجال كثر ولكنهم غثاء كغثاء السيل يقتلون بعضهم بعضاً ويبغضون السلام والود بغضاً، قد ذهبت بك السنون وتخطفتك أيادي المنون ونحن على الدرب سائرون ، هكذا الحياة وصروف الدهر تخفض وترفع ومالنا غير أن نطيع ونسمع، وأيامنا ليست لنا وقد غدت كلها منقلبة علينا! هنأك الله بما هنأْتَ به مادمت بعيداً عن بشار وأزلامه! وفي قبرك بعيداً عن أعوانه وأخوانه! سترنا الله وإياك فوق وتحت الأرض وغفر لنا وإياك يوم العرض.

- زياد بن حمد السبيت