Sunday 26/01/2014 Issue 15095 الأحد 25 ربيع الأول 1435 العدد
26-01-2014

الشريان والحروب الخاسرة!

يبدو أن الإعلامي داوود الشريان في حلقته عن الشبان الصغار الذين رموا أنفسهم في مناطق التوتر والحروب الخاسرة قد ضرب فأوجع، فهو في أسلوبه الشعبي الحميم، وانفعاله حين يناقش موضوعاً ساخناً، واستضافته بعض مَن فقدوا أولادهم في الأراضي السورية، واتهامه بعض الدعاة بتحريض الشبان الصغار المندفعين على السفر بحجة الجهاد، وتحديد بعض الأسماء الدعوية بعينها، قد جلب عليه حرباً ضروساً، تراوحت بين تقديم برامج مشابهة للرد عليه، وتغريدات تطالبه بالاعتذار لهؤلاء الأشخاص أو إثبات أنهم حرضوا على القتال في سوريا، أو المحاكمة!

ورغم أن معظمنا يعرف ما حدث حين نستعيد التاريخ منذ حرب أفغانستان في الثمانينيات الميلادية من القرن المنصرم، وفي الشيشان، حينما كان شبابنا يذهبون هناك وقوداً لحرب باردة بين القوى العظمى، ورغم أن معظمنا يعرف ما حدث من تحريض أشرطة الكاسيت آنذاك، ومحاضرات ودروس المساجد، والكرامات التي تحدّث عنها الدعاة، ورغم أن معظمنا يدرك أن الزمن تغير كثيراً، ولم يعد هؤلاء بحاجة إلى توزيع أشرطتهم في المناسبات الاجتماعية، أو أن يذهب إليهم هؤلاء الشبان الصغار بحسن نية لسماع دروسهم عن الجهاد، بل فعلت التقنية الحديثة أكثر من ذلك، وأصبح هؤلاء الدعاة هم من يأتي إلى الشبان الأغرار في جيوبهم، أعني في هواتفهم المحمولة، وهم يغردون عبر تويتر من منتجعاتهم، أو من على سرر غرفهم، أو أثناء سياحتهم في أوروبا، في مختلف دول العالم.. صحيح أن بعض هؤلاء تراجعوا عن تلك الأدوار، إلا أن معظمهم ما زال يحرض الشباب على السفر إلى مناطق التوتر والحروب الخاسرة. ولكن بعيداً عن ملاحقة هؤلاء ومساءلتهم عن ذلك، يبقى دور الأسرة هو الأهم، فالعالم بكل جماله وتطوره، وبكل شروره وفساده وفوضاه، أصبح في جيوب أولادنا، وتحت مخدات بناتنا، ويبقى علينا جميعاً، من آباء وأمهات، ممارسة الدور التربوي الفاعل، وتوجيه هؤلاء الشباب والمراهقين، محاورتهم وتصحيح مفاهيمهم الخاطئة، وإفهامهم طبيعة هذه النزاعات السلطوية والأطماع بين هذه التيارات؛ حتى لا تلتبس عليهم الأمور.

وبالطبع على الإعلام التقليدي، والإعلام الجديد، ممارسة مثل هذه الأدوار، وكشف الزيف في مثل هذه الحروب الخاسرة، وما يصحبها من قتل مجاني. ولعل إخضاع الإعلام الجديد، ومواقع التواصل الاجتماعي، للمساءلة والمحاكمة، عند ارتكاب تحريض الآخرين على رمي أنفسهم في مناطق توتر ونزاعات مشبوهة، هو الفعل الصحيح؛ كي يكون كل مغرد مسؤولاً عن أقواله؛ فالحرية التي تمنح للإنسان لا تصبح حرية ما لم تقترن بالمسؤولية، وإلا تحولت إلى فوضى وانفلات وتَعَدٍّ على الآخرين وتضليلهم!

ولكي نفهم ما يحدث من تغرير للشباب، وحرقة أمهاتهم وآبائهم عليهم، علينا أن نضع أنفسنا في مكان أم محمد، التي فقدت ابنها «مسفر» ذا السبعة عشر عاماً، وبكائها عليه، وهي لا تعرف أهو حي أم ميت، منذ آخر اتصال له، فلو فَقَدَ أحدنا فلذة كبده وهو في زهرة شبابه لوقف بحزم، وصاح بغضب، وأصبح داوود آخر!

مقالات أخرى للكاتب