Sunday 26/01/2014 Issue 15095 الأحد 25 ربيع الأول 1435 العدد
26-01-2014

حقوق الإنسان في الإسلام

لقد كرَّم الله بني آدم وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً، ومَنَّ عليهم بنعم كثيرة وآلاء جسيمة، فأرسل إليهم أفضل رسله، وأنزل إليهم خير كتبه، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة.

وإن خير الأمم أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}، وجعل دينها الإسلام {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، دين الإسلام دين حفظ لهذه البشرية كرامتها، وللإنسانية عزها وفخرها، يعين المسلم في ظل هذا الدين القويم عزيز النفس كريم الخصال مهاب الجانب مرفوع الرأس، لا يعرف الذل والانكسار إلا لله عز وجل، لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود ولا غني ولا فقير ولا سيد ولا مسود إلا بالتقوى، جعل الناس سواسية كأسنان المشط وحفظ لهم حقوقهم كاملة غير منقوصة.

لقد كرَّم الله الإنسان منذ أن خلقه فجعله في أحسن تقويم {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ}، كرَّمه بأن شق سمعه وبصره وجعل له قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، كرَّمه بأن فتح له أبواب الخير في هذه الحياة وجعله درة مصونة محفوظة بأمر الله {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}، كرَّمه بأن حفظ له حياته وحرَّم الاعتداء عليه، فلا يحل دم امرئ مسلم إلا بحق {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}، وقال عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا).

فهذا هو حق الحياة الذي حفظه الإسلام للإنسان، ورتّب أشد العقوبة على من اعتدى عليه بغير حق {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، ففي القصاص حياة للبشرية لتنعم بالأمن والاستقرار، كما أن حرية الإنسان مصونة كحياته، فما من مولود يولد إلا على الفطرة {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}.

فللإنسان حق الحرية في هذه الحياة لكنها، حرية محفوظة بأمر الله، وتحت حكم الله ورسوله، لا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا تطرف، حرية في حدود المأذون فيه شرعاً

{وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، كما حفظ الإسلام للإنسان حق المساواة في الحقوق والواجبات إلا ما ورد الدليل بتخصيصه، فالإسلام دين الحق والعدل والحكمة، لا تمايز لطبقة على طبقة، ولا لجنس على جنس، ولا للون على لون، ولا بنسب على نسب، ولا حسب ولا جاه ولا مال {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}. فيكفينا فخراً ودليلاً على تلك العدالة قول النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد حين همه أمر المخزومية التي سرقت، فقال له وهو حبه وابن حبه (أتشفع في حد من حدود الله. والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد).

ولقد أمر الإسلام بإقامة الحق والعدل بين الناس وجعله وظيفة الرسل جميعاً قال سبحانه {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}. فالعدالة مطلب وحق لكل إنسان وفرض وواجب على كل مسئول، فهذا أمر الله {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}، هذه هي الروح الإيمانية التي ملك الإسلام بها عقول البشر واستولى على قلوبهم بما فيه من المبادئ والأخلاق الفاضلة حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً، وما أحسن ما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه (ألا إن أضعفكم عندي قوي حتى آخذ الحق منه وأقواكم عندي ضعيف حتى آخذ الحق له).

لقد كفل الإسلام للإنسان حقه في حماية نفسه وعرضه وعقله وماله مما لا يجوز انتهاكه أو الاعتداء عليه. فمن اعتدى فهو آثم ويستحق الجزاء الرادع، فعرض المسلم حرام كحرمة دمه وماله قال تعالى {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} وقال سبحانه {وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}، فلكل مسلم حق الحماية ولا يُتَّهم في عرضه إلا بالحجة القاطعة، ولا يُعاقب إلا بعد ثبوت الحق عليه ثبوتاً لا شبهة فيه، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته.

وقد جاء الإسلام بدرء الحدود بالشبهات، وما ذاك إلا حفظاً لكرامة الإنسان وصوناً لعرضه وسمعته، فلا تجريم إلا بنص، ولا دعوى إلا ببينة قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، ومن العدل والحكمة ألا يؤاخذ أحد بجريمة غيره {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق حتى وإن كان هذا المخلوق أحب الناس إليك قال تعالى في حق الوالدين {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}. ومن حقوق الإنسان في الإسلام أنه حفظ له حق التعليم وجعله فريضة على كل مسلم ومسلمة ليعبد الله على بصيرة ويتحرر من قيود الجهل وتتوسع آفاق معرفته، فيعيش حياته في أمن وطمأنينة وسعادة {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}، فالعلم نور والجهل ظلام

{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ}. ولما كان العمل ثمرة العلم جعل الإسلام للإنسان حقاً في العمل في ميادين الحياة العامة والخاصة بكل فرد ما يناسبه، فحرية العمل جزء متمم لشخصية الإنسان، والمصلحة العامة للأمة مقدمة على المصالح الخاصة، وعلم بلا عمل كشجر بلا ثمر، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول (أسأل عن الإنسان فإذا قيل لا عمل له سقط من عيني)، وقد قيل (صنعة في اليد أمان من الفقر). وقد حفظ الإسلام للعامل حقه في الأجرة على عمله قبل أن يجف عرقه من باب إحقاق الحق ورفع الظلم عن الآخرين، فلا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس قال تعالى {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ}.

ولما كان المال عصب الحياة حفظ الإسلام للإنسان حق التملك والتصرف فيما يملك بالطرق المشروعة والكسب الحلال قال تعالى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}، وكما حث الإسلام على الكسب الحلال نهى عن المكاسب المحرمة كالربا والغش في المعاملات وأخذ الرشوة وأكل المال بالباطل، وحرم الغصب والسرقة وحرم مصادرة الأموال بغير حق، وجعل للإنسان حق الدفاع عن ماله كالدفاع عنه نفسه وعرضه، فمن قتل دون ماله فهو شهيد.

كما جعل الإسلام للإنسان حقاً خاصاً في بيته وبين أهله وذويه قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، فكيف أنت أيها الإنسان مع هذا الأدب الرفيع، وأين أصحاب القوانين من البشر الذين ينادون بحقوق الإنسان والإسلام قد سبق قوانينهم بمئات السنين، والمسلمون منذ صدر الإسلام الأول وهم ينهلون من آدابه وتشريعاته وسماته وأخلاقه، فهو دين رباني لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلقه تنزيل من حكيم حميد.

إن حقوق الإنسان في الإنسان جزء لا يتجزأ من عقيدة المسلم وعلاقته بربه وخالقه، وهي منحة من الله تعالى يمن الله بها على عباده ليطيعوه ولا يعصوه ويشكروه ولا يكفروه، فمن مَنَّ الله عليه بالهداية وإتباع الحق فهو على نور من ربه، والحق أحق أن يتبع.

ومن نظر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم علم يقيناً أن الإسلام لم يغفل هذه الحقوق ولم يجعلها محض اجتهاد للبشر، وإنما هي وحي من الله لا تخضع لظروف معينة ولا تساير فئة خاصة، وإنما هي حقوق عامة شاملة لا تخص جنساً دون جنس أو بلداً دون بلد، وإنما هي حقوق للناس كافة في كل زمان ومكان، وهي تشريع رباني وواقع عملي يرتضيه كل مسلم لينعكس أثره على حياته الخاصة وتعامله مع الآخرين.

فالإسلام دين هذه الأمة وعليها أن تلتزم بأحكامه وتشريعاته وتنزل على حكم الله ورسوله، ومن حق الإنسان في هذه الحياة أن ينصح للأمة ما دام ملتزماً بالضوابط الشرعية، مدعماً قوله بالحجة والدليل ما دام فيه مصلحة راجحة.

وإن كان غير ذلك مما يراد به نشر الفتة وترويج الباطل وخذلان الأمة فالواجب تركه، فالرجوع إلى الحق فضيلة وخير من التمادي في الباطل قال تعالى {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}.

إن توفير الأمن للناس وصيانة حقوقهم من أهم القضايا التي تشغل العالم بأكمله على مر العصور، ولقد عنيت الشريعة الإسلامية بحماية البشر والمحافظة على حقوقهم وأمنهم منذ بزوغ فجر الإسلام وقبل أن تعرف النظم الوضعية ذلك بما يزيد على ألف عام قال تعالى {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}، فالأمن من الخوف في نظر الإسلام يعدل الإطعام من الجوع، وكلاهما مما لا يستغني عنه الإنسان ولا بقاء له بدونهما.

ولقد كان العالم يفقد كلا الأمرين قبل مجيء الإسلام، حين كان الناس يعيشون في قلق وخوف وضيق في العيش يقتل بعضهم بعضاً ويعتدي بعضهم على حقوق الآخرين، قد خيم عليهم الجهل والتمرد بتسلط قويهم على ضعيفهم.

فلما جاء الإسلام جاء بالهدى والنور وكان من أهدافه الأولى توفير الأمن والقوت لكل من يقيم بأرض الإسلام وينعم بعدله وإحسانه.

هذا ما أكده الواقع وأثبته التاريخ في ظل التطبيق السليم والالتزام الكامل بشريعة الإسلام، وليس أمام المسلمين اليوم إذا أرادوا أن يقيموا مجتمع الأمن والرفاهية إلا العودة إلى الإسلام عقيدة وخلقاً وعبادة ونظاماً، ففي ذلك حل مشكلاتهم، وحماية حقوقهم، وصيانة حرماتهم، وتوفير الأمن والرخاء لهم، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

dr-alhomoud@hotmail.com

الاستاذ بالمعهد العالي للقضاء وعضو مجلس الامناء في الجامعة الاسلامية العالمية في بنغلادش

مقالات أخرى للكاتب