Friday 31/01/2014 Issue 15100 الجمعة 30 ربيع الأول 1435 العدد
31-01-2014

ظاهرة الخلط والالتباس بين اللوحة والفنان

ثمة مشكلة يعاني منها المشهد التشكيلي العربي ليس السعودي وحسب، وهي الخلط بين المنجز الفني والفنان أو الفنانة؛ بحيث نرمي أحكامنا النقدية أو التشكيلية على المنجز التشكيلي من خلال مظهر الفنان أو موقف ذاتي بملبس هذه الفنانة أو تلك.

وهذه المشكلة أضحت واضحة وجلية في الوقت الراهن حين سطع فنانو ما بعد الحداثة بأعمالهم التي تفوقت على مدارك هؤلاء التقليديين أو القراء من عامة الناس

فجوبهوا بالرفض تارة، وتارة أخرى بسحق الذات؛ أي أنهم ولو أتوا بآيات من الذكر الحكيم فهي مرفوضة سلفا؛ لكون هذا المنجز الفني خرج من هذا الفنان أو تلك الفنانة، وهذا إجحاف بحق اللوحة قبل أن يكون ظلما للفنان.

سوف أبعثر أوراق هذه المشكلة وأحلل مسبباتها؛ فالمسألة هنا مسألة تراكمية لدى القارئ العادي؛ فالمتلقي لا يعي معنى الجمال إلا بالأبيض والأسود؛ أي إما أن تكون اللوحة جميلة، أو تكون مشوهة، هذا التخلف البصري الذي اكتسبه المتلقي منذ الطفولة وتراكم معه بمرور سنوات العمر بدءًا بالمدرسة ومرورًا بالمنزل وتوقفًا عند المدينة وشوارعها حين يمر بنو إنسان بكل تلك المراحل تيقن بعدها كيف التبس عليه الأمر حين يخلط بين سيرة الفنان أو شكله أو جنسه مع المنجز التشكيلي مما يجعلك لا تستغرب هذا الجهل البصري لدى القارئ، فكيف له أن يتقبل فناني ما بعد الحداثة الذين يؤمنون بالفكرة قبل إيمانهم بتقاسيم الجمال.

هذا التوجه غير التقليدي لدى فناني ما بعد الحداثة الذي أعطى في الكثير من الأحيان فلسفة تفوق معطيات الواقع، وذهبوا بنا إلى عوالم لا حدود لها مزيج بين الحلم والواقع والخيال، واللوحة من منظورهم ليست مجرد نقل لصورة الواقع بتفاصيلها الدقيقة بقدر ما هي أفكار ورؤى تعكس مكنونات الفنان الثقافية لهذا المعنى أو تلك الفكرة، فجسدوها بطريقتهم الخاصة غامضة غاضبة مزمجرة تفسر واقعًا رفضوا واقعيته عليهم.

فاتسعت الفجوة هنا باتساع الأفق بين الناقد والفنان، فالناقد ينظر للحراك التشكيلي من مكان عاجي، يتأمل من بعيد وينتقد من بعيد، فالنقد ما زال يهيمن عليه أسلوب المجاملة أو العدائية، فهما وجهان لعملة واحدة، إلا ما رحم ربك من النقاد الموضوعيين.

إن بعض النقاد العرب، وخصوصا السعوديين يفتقرون إلى تجديد الأدوات النقدية ومواكبة التسارع الحاصل لدى التشكيليين، وبقوا في مكانهم مراوحين ولم يطوروا الفكر المفاهيمي للـ(باراسيكولوجي) باللوحة التي أخذها التشكيلي بأفكاره إلى ما وراء ألوان الضوء، وهنا اتسعت الفجوة بينهما فباتوا يخلطون بين شكل الفنان وسيرته الذاتية واللوحة فكانت أحكامهم ترمى جزافا على شكل وجنس الفنان لا على المنجز الفني الذي هو معني به، وما هو الحال لدى النقاد التشكيليين هو ذات الحال لدى بعض نقاد أدب الرواية الذين يخلطون بين بطل الرواية وحياة المؤلف.

jalal1973@hotmail.com

twitter@jalalAltaleb - فنان تشكيلي

مقالات أخرى للكاتب