Sunday 02/02/2014 Issue 15102 الأحد 02 ربيع الثاني 1435 العدد
02-02-2014

لماذا المدرسة أولاً؟

تتماثل المدارس كلها - ليس في المملكة فقط - بل على مستوى العالم، تتماثل في كل عناصر العملية التعليمية التي تتم داخل فصول المدرسة، وفي محيط أسوارها الداخلية والخارجية، كما تتماثل في هيكلها وفي أدوار العاملين فيها، وفي المهمات وأوجه الاختصاص، وفي التجهيزات والمستلزمات المكتبية والتعليمية، والأهم من هذا وذاك تتماثل في الغايات والأهداف التي تنشدها المدرسة وتسعى لتحقيقها في المخرج التعليمي الذي أوجدت من أجله.

وعلى الرغم من منطقية أوجه التماثل بين المدارس، المتمثلة في عناصر العملية التعليمية، والتي تعد بمثابة البنية الرئيسة والسمة المميزة للمدرسة باعتبارها مؤسسة تربوية تعليمية، إلا أن هذا التماثل لا يعني بحال من الأحوال أن تكون المدارس جميعها نسخاً كربونية يشبه بعضها الآخر، فمظنة القول إن لكل مدرسة صفتها الاعتبارية وشخصيتها المميزة لها عن غيرها من المدارس، وهذا ما هو متواتر في جل دول العالم، لأن المحيط الاجتماعي للمدرسة، والخلفيات التعليمية والصحية والثقافية والاجتماعية لطلاب المدرسة حتما لن يكون مطابقا للمدرسة الأخرى القريبة منها فضلا عن البعيدة عنها، وهذا ما يشهد به الواقع التربوي ويؤكده بصفة قطعية، فلكل مدرسة رؤيتها في إعداد طلابها وفق حاجاتهم وقدراتهم واستعداداتهم وميولهم، ويترتب على هذا التفرد بطبيعة الحال بناء الخطة التنفيذية للبرامج والمشروعات التي تعتمدها المدرسة سنوياً.

ولكن ماذا عن مدارسنا؟ هل بينها تمايز وتنافس؟ أم أنها مجرد نسخ كربونية لا تختلف الواحدة عن الأخرى ليس داخل الحي الواحد، وإنما على مستوى المدينة الواحدة بل على مستوى مدارس المملكة كافة على اختلاف مناطقها ومحافظاتها، الجواب معلوم ولذلك أسباب عديدة منها، أن المدرسة غير مخولة البتة أن تجتهد في تسيير أعمالها وفق منظور قيادتها التربوية ومن معها من معلمين وغيرهم، وإنما على القيادة التربوية أن تسير أعمال المدرسة وفق ما يرد يومياً من إدارات التربية والتعليم من سيل التعاميم التي تصوغها الأقسام المختصة، أو ما يرد من الإدارات العامة في وزارة التربية والتعليم، وهي في جملتها إملاءات وتوجيهات تعكس رؤية تلك الأقسام والإدارات مما يعني أنها قد لا تلامس الواقع الذي تتطلع له القيادة التربوية في المدرسة، سواء في مجال التطوير أو في مجال معالجة الأداءات التربوية والإدارية للمدرسة التي حتما تنفرد بها عن غيرها من المدارس، لم تكن القيادات التربوية في المدارس راضية عن الكم الهائل من هذه التعاميم التي تعد في جملتها مكرورة أو مناقضة لصلاحيات ومهمات سبق إقرار ممارستها للقادة التربويين في المدارس، وبناء على هذا التذمر أجريت دراسة تقريبا عام 1422هـ للتعرف على كم التعاميم التي تصدر من إدارات التربية والتعليم للمدارس، وتبين أنها تربو على الأربعين تعميما أسبوعيا، وترتب على هذا الكم إضعاف روح المبادرة والحماسة لدى القادة التربويين في المدارس، مما جعلهم يحجمون عن أن يجتهدوا في اقتراح البرامج والممارسات التربوية والتعليمية والإدارية التي تلبي حاجة المدرسة وتعالج مشاكلها التي غالبا ما تكون خاصة بها وبطلابها وبيئتها التربوية.

ومما كرس حالة الإحجام والإحباط، وأضعف روح الحماسة والمبادرة لدى القادة التربويين في المدارس، مدونات الإشراف التربوي، التي تعد في جملتها توجيهات عامة، تكتب بعبارات وكلمات جامدة متواترة متماثلة بين كل التخصصات، في إحدى الزيارات الميدانية للمدارس قمت بالاطلاع على سجل الإشراف التربوي، وبعد تصفحه طلبت من مدير المدرسة أن يصور ما دونه المشرفون التربويون في عدد من التخصصات، وفي الاجتماع الدوري مع رؤساء الأقسام تم قراءة مدونة توجيهات أحد التخصصات، وطرح السؤال التالي: هذه التوجيهات تخص أي مادة؟ احتار رؤساء الأقسام في نسبة هذه التوجيهات إلى قسم بعينه نظرا لعموميتها، وهكذا الحال عندما استعرضنا بقية التوجيهات التي دونها المشرفون الآخرون من التخصصات كافة.

لهذا نرى تحرير المدرسة من سلطة سيل التعاميم، ومن التوجيهات المحنطة ذات الصيغ الجامدة التي لا تساعد المدرسة على التطوير ورفع كفاءة الأداء، وعوضاً عن هذا توكل المهمة للمدرسة نفسها ممثلة في قادتها والعاملين فيها كافة، وفق منظور ما يسمى المدرسة المتعلمة أو المدرسة وحدة للتطوير.

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب