Wednesday 05/02/2014 Issue 15105 الاربعاء 05 ربيع الثاني 1435 العدد
05-02-2014

نبش القبور..!

لن تفهم الآخر قبل أن تحاول تقمص شخصيته.. لتلج من بوابته الخاصة وتستطيع أن تفهم الأمور من خلال عقله.. وتشعر بنبض مشاعره هو وليس مشاعرك أنت.. فقدرتنا على الإحساس متباينة بغض النظر عن قوتها أو ضعفها.. عمقها أو سطحيتها.. صدقها أو كذبها.

لذا يصعب أحياناً استيعاب مواقف الناس تجاه أمر واحد.. وقد تشعر بالغرابة كمن يباغته الضحك في موقف تأبين يستدعي الاحترام والحزن على فقد عزيز.. فما تراه مبالغة هو في حقيقته إغراق حد الاختناق بإحساس ما.. وما تظنه سخيفا وغير مهم قد يكون من الأهمية أن تخشع له القلوب أو تشرئب له الأعناق.. ولا عجب أن يكون احترام الأديان وموروث الشعوب من المكانة بحيث قد يقصيك عن دائرتهم أقل محاولة للنيل منها إن لم تشعلها حرباً لا تبقي ولا تذر.. لا تعرف لها بداية أو نهاية.. لأنها تسكنهم عميقاً لا تتبع منطق أو عقلانية.. جذرها ضارب في روحها ومتشعب فيها ما بين التواء وانحناء نبضات مؤمنة آمنة.. تعزف أخطر ألحانها في مكان لا يعبث به إلا مشاكسون لا يستوعبون هيبة الاعتقاد.. هناك حيث العاطفة التي ما أن يتقدم العقل كي ينال منها.. حتى تتدخل الحكمة وتمنعه طلباً للسلامة والتعايش.. فالسواد الأعظم من البشر يفكر بعاطفته إذا كان محور النقاش روحانيته أو ماضيه وأصالته.. ويأخذها مجملة لا يقبل فيها تجزئة تمس قداسة ما يحبه ويؤمن به.

والخطأ الذي كانت ولا زالت تقع فيه المجتمعات المتدينة بأطيافها ومذاهبها.. هي نقد موروث الآخر لإثبات صحة ما معه.. في محاولة ساذجة لنبش القبور وإحياء أصحابها من خلال فرض معتقداتهم ولو بالقوة.. وفي كل مرة يفعلون.. يشتعل فتيل الحروب وتزهق الأرواح لأنهم أغفلوا الخطوة الأهم.. خطوة تقبل الاختلاف.. واحترام معتقدات الآخر.. وأطلت موضة يقظة الفتنة من أفراد المذهب الواحد.. على نفس النهج المتسرع لينقد جماعته وموروثه.. في مجتمع يعتبر النقد خروجا عليه وعصياناً مبيناً.

وبدلاً من أن تتحول البشرية إلى تناغم الحوار.. تجنح إلى تقاذف التهم.. لأنهم ليسوا مهيئين لخطوة متهورة مثلها.. وواقعون تحت ضغط الكبرياء لأن الإنسان لن ترضيه الهزيمة حتى في لعبة.. فكيف في اعتقاد يؤمن به ومنهج حياته!.. حتماً لا أحد يقبل.

تلك الخطوة الاستباقية تعد بالكثير من الفوضى.. والانقسامات في التيار الواحد.. كأننا لا يكفينا التوتر القائم بين التيارات المختلفة.. فقبل أن تطلب النقد.. لابد أن يقبل كل فريق الجلوس على طاولة مستديرة لا كبير لها ولا رئيس.. قائمة على المساواة واحترام الحدود والمعتقد.

أما أولئك المتهورون.. فلنا أن نسألهم هل تحترمون ما أنتم مؤمنون به؟ إن قالوا نعم.. فالآخرون كذلك مثلكم.. فاطلبوا حق الوجود والتعايش أولاً.. لتهدأ النفوس وتقبل العقول على الحوار بشهية العلم المتأنية الراقية.. وليس بنزوة الجهل الصبيانية.

amal.f33@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب