Thursday 06/02/2014 Issue 15106 الخميس 06 ربيع الثاني 1435 العدد
06-02-2014

جذوري من نيجيريا..

بدأت سيدة سعودية أول حملة وطنية لمناهضة العنصرية، حين وصفتها إحداهن بالعبدة في مكان عام، وفتحت «هاشتاق» مناهضاً للعنصرية بنفس الوصف الذي نعتته بها تلك المستخدمة، وهي بذلك تقدم صورة مشرقة للوعي الجديد الذي يواجه تحدياته من خلال الإعلان عنها ومواجهتها بلا خوف أو قلق من ردة فعل المجتمع، وقبل ذلك فجرت الهتافات العنصرية في الملاعب السعودية الكامن أو الخافي إن صح التعبير في العلاقات بين الناس في المجتمع، وربما لأول مرة تظهر على العلن تلك النبرة المسيئة لفئات في المجتمع، بعد أن كانت أسيرة الحوارات الجانبية في الأماكن المغلقة..

ومن أجل مواجهة العنصرية علينا أن نعترف أن الغالبية..، إن لم يكن جلهم، قد تلقى بعض التعاليم مبكراً عن موقفه العنصري من الآخرين، وعادة ما تبنى ذلك الموقف في مرحلة المراهقة، وحسب ما تصنف العائلة نفسها، وهل هي من أصحاب النسل الرفيع، أم من أولئك الذين اختاروا الهجرة من أجل حياة كريمة، وعادة ما يتوج أصحاب الجذور في الأوطان برمزية الأصالة، في حين يحظى أولئك الذي جاءت بهم أقدار العمل والهجرة إلى هذه الأرض بالتصنيفات الدونية، وفي ذلك تكمن العنصرية بمختلف أنماطها.

كانت الجزيرة العربية وخصوصاً الأماكن المقدسة موطناً للهجرات منذ قدوم إسماعيل من إبراهيم عليه السلام إلى مكة، ومن ذلك الزمن، والناس تأتي إليها من كل فج، ليقضوا فريضتهم وحاجاتهم، وقد هاجر إليها عبر القرون الكثير للعمل والبحث عن لقمة العيش الشريف، سواء من أفريقيا أو البلاد العربية الأخرى أو من باكستان والهند أو من شرق آسيا، وقد تكون الهجرة البشرية أحياناً خياراً وحيداً وقدراً لا مفر منه للإنسان في البحث عن العمل والحياة الأفضل، وقد هاجر الأجداد قبل النفط إلى الشمال العربي وغير العربي من أجل حياة كريمة، لذلك كان من الجهالة أن نصم هؤلاء الإخوة بأسماء بلادهم، وهل من الدونية أن يكون المرء من نيجيريا أو من السنغال أو من تركيا أو من الهند أو الصين.

ما حدث وصمة العار على جبين المجتمع السعودي، وإذا لم نتحرك مبكراً للتوعية عن العنصرية ومساوئها في المدارس، سيأتي يوم في المستقبل يطالب فيه هؤلاء بأكثر من ذلك، وأنا واثق أن الجهات المسؤولة لن تسمح بتفاقم الأمر، لكن الوقت لم يعد يسمح بتأخير المبادرة، ولابد من نبذ تلك الغرائز المنبوذة عند بعض الفئات، وإذا لم يحدث ذلك سنعاني من أزمة حقوق الإنسان، وفي بناء الوعي الحضاري في المجتمع، وقد تؤدي إلى عودة الروح للجذور من قبل هذه الفئات، وقد كنت أنتظر بالفعل أن يخرج أحدهم، ويقول نعم أنا أصولي من نيجيريا، وأنتمي لقبيلة معروفة في أفريقيا، وأفتخر بذلك، لكني في الوقت الحاضر أنا مواطن سعودي وأنتمي للثقافة العربية الإسلامية، عندها ربما يتوقف بعض الجماهير عن ترديد تلك الشعارات المسيئة للكرامة الإنسانية.

العنصرية داء خطير، ومن أهم أسبابها الشعور بالفوقية الرمزية على أسس عرقية، وهي ظاهرة مستوردة، وليس لها جذور في الدين الإسلامي، وقد كان لهذه النظريات صولات وجولات في كثير من الأحداث في الغرب، وكانت خلف أهم الحروب العالمية في القرن الماضي، وكانت سبباً لثورة الحقوق المدنية في أمريكا، وكنّا دائماً في تلك الأزمنة ما نفتخر أن الله أكرمنا بالإسلام، وأن أكرمنا عند الله أتقانا،كذلك كان العرب قبل الإسلام من أقل الشعوب عنصرية تجاه الآخرين، وقد اختلطت الثقافات والألوان في أنحاء جزيرة العرب، لدرجة أن أصبح «الأسود» اسماً عربياً مشهوراً عند العرب الأوائل.

يبدو أن ثمة خللا قد حدث في تلك الرؤية المثالية في ثقافة العرب والمسلمين الأوائل، ونحتاج إلى ردمها قبل أن تتحول إلى ظاهرة نتنة، ولنا أن نتساءل عن الأسباب التي جعلت من النعرات القبلية والعنصرية عنواناً في أخبار المجتمع، و هل لذلك علاقة بالخواء الفكري عند الأجيال الجديدة، أم أن التعليم الديني المعاصر يفتقد إلى تعزيز تلك الرؤية الدينية السامية للناس أجمعين بلا تفرقة عرقية، ويقلل من أهمية تعليم روح التسامح والمساواة كما فهمها السابقون الأولون.

مقالات أخرى للكاتب