Tuesday 11/02/2014 Issue 15111 الثلاثاء 11 ربيع الثاني 1435 العدد
أ.د.سليمان بن عبد الله أبا الخيل

أ.د.سليمان بن عبد الله أبا الخيل

قراءة في مضامين وتداعيات وآثار الأمر الملكي

11-02-2014

القوة التي تهزم التطرف والغلو والإرهاب والدرع الذي يحمي ديننا وعقيدتنا ووحدتنا وثوابتنا

فإن تاريخ العظماء لا تصنعه الكلمات، وإنما تصنعه المواقف الكبار من عظماء الرجال، الذين يرون أن القيام بالمسؤوليات والوفاء بالأمانات من أهم أولوياتهم، وها هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - أيده الله - يضرب مثالاً رائعاً، وموقفاً حازماً بما أصدره من أمر سام يتمم به مسيرة الإنجازات العظيمة فيما يخدم الوطن والإسلام والمسلمين، وإن هذا الأمر الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز- حفظه الله- بما يحقق القضاء على كل أشكال الغلو والتطرف والإرهاب، ويمحو كل أسباب الفرقة والنزاع وتمزيق الوحدة الوطنية، والذي بناه - أيده الله - على عقيدة إيمانية راسخة، وعقيدة سلفية، ومبادئ شرعية، ووطنية قوية، ووعي كامل بكل ما يحاك لوطننا الغالي ولأمتنا الإسلامية، من مكائد ومؤامرات ودسائس لتفريق وحدتها وشق صفها، ليؤكد قوة الأسس التي قام عليها وطننا الغالي، وسار عليها قادة هذه البلاد وحكامها الميامين منذ عهد الملك المؤسس الملك المجاهد الصالح عبد العزيز بن عبد الرحمن - غفر الله له - وحتى هذا العهد الاستثنائي الذي وفق الله فيه إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لكل ما يرسخ هذه الأسس ويعززها، ويحفظ الوطن من مكامن الخلل والاستهداف، كما أن هذا الأمر يدل دلالة قاطعة على عظمة القائد وعلى عِظَم المسؤولية، وجسامة الخطب، وفداحة الأثر، وشدة التبعات.

إن الدلالات والمعالم والمضامين التي اشتمل عليها أمر خادم الحرمين الشريفين لتقطع كل طريق على أرباب الفكر الباطل والعقائد المنحرفة، أولئك الحاقدون الذين يريدون تمزيق الوطن وتفريق الأمة، والقضاء على كل مقومات وحدتنا وأمننا، بل وبقائنا، باستدراجهم شبابنا، والزج بهم في مشاركات طالما دفع الوطن ثمناً غالياً في تأريخ سابق ولا تزال آثار وتداعيات تلكم المشاركات إلى يومنا هذا.

إن هذا الأمر الملكي بمضامينه الشرعية والدستورية والقانونية وضع الأمور في نصابها الصحيح، بمنتهى الشفافية، وبمنظور شرعي وسياسي وأمني، يراعي مصالح البلاد والعباد، ومصالح الأمة الإسلامية والعربية، بل ومصالح الإنسانية كلها.

إن هذا الأمر بما تضمنه من معان ومضامين واضحة وصريحة وقاطعة، تضع الأساس الشرعي والدستوري والقانوني لحماية الوطن وأمنه واستقراره ومقدراته، بل وحماية شبابه وفكرهم وتحصينهم من العابثين والمحرضين, ويؤدي إلى رفع الوعي الأمني والحس الوطني لجميع أفراد المجتمع، إذ يعد بديباجته ومشمولاته ومضامينه العميقة، رسالة واضحة وقاطعة للعالم، بأن عهد التطرف والإرهاب والغلو والفساد في الأرض، قد آن زواله، وأن المعالجة تبدأ من الجذور باستهداف الجامعات والتيارات والمنظرين والداعمين والمحرضين، وإذا ما تركزت المعالجة على هذه المنابع فإننا سنرى بإذن الله انحساراً ملموساً، وعملاً ظاهراً، وتراجعاً للفكر بمرتكزاته وأيديولوجياته، وبناه التحتية، وهذه هي الرؤية الإستراتيجية، التي تغوص إلى الأعماق، وتعالج الأمر من الأساس إلى الهرم، وكم كنا بأمس الحاجة إلى هذه النظرة الثاقبة، والحكمة السديدة من مليك الحكمة والإنسانية، صاحب القلب الكبير، والعقل الراجح، والرؤية الظاهرة، والإنسانية التي تراعي الموازنة بين المصالح والمفاسد وتغلب إزالة المفاسد، ودفع الشرور والأذى، إذ لا يستريب عاقل أن ظاهرة الغلو والإرهاب ليست ردود أفعال، أو تصرفات فردية، وإنما هي دسائس تمثلت في جماعات وتنظيمات سرية، وأدلجة للتصرفات، وتغذية لهذه الأفكار بما يؤجج العواطف، ويحولها إلى قواصف، ويدمر في الأفكار السليمة كل نبتة للمواطنة الصالحة، وانتماء للوطن وولاته، ليصبح الانتماء، حزبياً والولاء الفكري لقيادات الأحزاب والتنظيمات، والعمل الدءوب لنصرة هذه الأفكار والتضحية لأجلها، وهذا شأن ليس بدعاً، ولا جديداً، فالمتأمل للجماعات الراصد لحراكها يدرك بجلاء أنها آلية يتم بها التدرج في استغفال المجتمع والشباب على وجه الخصوص منذ فترة مبكرة، ابتدأت العمل في الداخل وسرت إلى المجتمع الإقليمي والإسلامي والعالمي، وصار ديدنهم التشويش والإرجاف والفتنة، والضرب على وتر القضايا والنوازل والمتغيرات التي تمر بالعالم لتوظيفها إلى ما يريدون، ورغم البيان الذي أوضحه العلماء، وبنوه على قواعد الشريعة ومقاصدها إلا أن العمل المؤدلج الذي يخدم الأفكار والجماعات المتطرفة دائماً ما يحاول فصل الشباب عن هذه الفتاوى وعن تأثير العلماء، بإلصاق التهم، وتحميل الأقوال والمواقف والفتاوى ما لا تحتمل، ليتم لهم ما أرادوا من تمرير أجندتهم تحت هذه الظروف المختلفة، وقد آن الأوان أن تتراجهذه الجماعات والتنظيمات التي اختطفت أبناء هذا الوطن للزج بهم في أتون الفنن والمشكلات، وآن الأوان أيضاً أن يعلم الشباب وعموم أبناء الوطن نعمة الله عليهم بهذا الوطن العزيز وقيادته التي لا نعلم لها في الواقع المعاصر نظيراً.

إن القارئ لهذا الأمر وديباجته المتينة، الرصينة التي تؤكد سلامة المنبع، وقوة الأصول، لينظر نظر افتخار واعتزاز، ويرفع رأسه عالياً أن هذه الدولة حرسها الله وحماها دولة سُُُنِّية سَنِيِّة سلفية، تقوم على الأصلين الصافيين، وتهتدي بهما على نهج سلف الأمة، وكما تحكمها وتتحاكم إليها فهي أيضاً تقاوم الفتن والمشكلات أخذاً بوصايا أرحم الخلق وأنصح الخلق وسيدهم صلوات الله وسلامه عليه في الفتن، حيث أوصى بهذا الأصل العظيم، الذي هو من أعظم مقاصد الشريعة، وأهم ضماناتها لحفظ الدين والعقيدة والأمن، والألفة والاجتماع على الوحدة، والبعد عن مسببات الفرقة والتناحر والخلاف والاختلاف، فحينما أشار إلى ظهور الفتن، وإلى الدعاة الذين هم من أبناء جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، ومع ذلك يدعون الناس إلى نار جهنم عياذا بالله «دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها» حينها كانت الوصية الجامعة المانعة، التي نحتاجها في هذا العصر الذي رفع فيه أهل الفتن والتحزبات عقائدهم، وجيشوا عقول الناشئة، وشحنوها بما يسقطهم في أتون الفتن والمشكلات، فقال صلى الله عليه وسلم «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» وهذا المقصد العظيم والنصوص الدالة عليه هو ما ورد في ديباجة الأمر الملكي الكريم، ولا يستغرب هذا من دولة الكتاب والسنة، وولاة الأمر الأوفياء، والقرارات الملكية التي تستهل بهذا الاستهلال الذي هو قوة للحكم وللقرار، ثم ما جاء في مضامين هذا القرار من فقرات واضحة، تحمل دلالات عميقة، وفهم شمولي، وإدراك للمخاطر والمهددات الداخلية والخارجية، وسبر واستقصاء لكل ما يدور في الساحة، بحيث أنك لا تجد في الواقع ما لا يمكن أن يشمله، وأهم ما ورد فيه ما يلي:

1 - إنهاء المشاركات التي يخرج إليها مجموعة من أبناء الوطن بحجة نصرة المسلمين وقضاياهم، وهي مشاركات توصف بأنها جهادية، وحقيقتها مجموعة من الانحرافات ترتكب باسم الجهاد، يتجاوزون فيها الحدود الشرعية، ويخلون بمقاصد الشرع في الجماعة والإمامة، بالافتيات على ولي الأمر وتجاوز صلاحياته الشرعية التي قررها علماء أهل السنة والجماعة بإجماع قاطع أن الجهاد مع الأئمة أبراراً كانوا أو فجاراً، وأنه لا جهاد بدون إذنهم، وتحت رايتهم، وقد حصل البيان في ذلك مراراً، وأوضح العلماء ذلك في كتبهم وفتاواهم، ومن آخر ذلك ما صدر من سماحة المفتي العام للملكة الوالد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ حفظه الله، وقد كنا وضحنا ذلك في الجامعة وخارجها وفي مؤلف عنوانه «التنبيهات السنية» ومع ذلك وبحكم وجود منابع الفكر، وعوامل التحريض استمرت المشاركات وغدا كثير منهم يتجهون لكل ميدان يجدونه فرصة لهم للوصول إلى أرباب ومحركي هذه الفتن، وقد أعذرت الدولة إلى الله بما بذلت لهم من جهود سابقة، في المناصحة التي تستهدف في أعمالها هؤلاء وغيرهم، وبالجهود الأمنية فكان هذا الأمر الملكي الذي هو آخر الدواء، ليحقق الردع والزجر بعد أن تم البيان، وعولجت المشكلة بالأبعاد الأمنية والإنسانية التي تحقق الاستصلاح وتعتمد الرحمة.

2- معالجة الجذور الفكرية لهذه المشكلة ولغيرها، فالوصول إلى مناطق الصراع، والصور التي نراها بين الفينة والفينة متمثلة في دعوات للمشاركة في الاحتجاج بأساليب حذر العلماء منها ومنها المظاهرات والاعتصامات وغيرها، وكذلك قمة الانحراف المتمثل في فكر التكفير كلها نتاج جماعات وتنظيمات تقوم مبادئها وأفكارها وأيديولوجياتها على هذا الانحراف ولذا فما نراه مما سبقت الإشارة إليه هو عمل منظم ومقصود تقوم به هذه الجماعات، وعلى رأسها جماعة حذر منها علماؤنا، وبينوا خطرها وضررها، وتلونها في توظيف الدين لمسائل السياسة ألا وهي جماعة الإخوان المسلمين المعروفة، فهي بفروعها وأدبياتها، وتنظيماتها وراء هذه الأعمال التي غذت الإرهاب والتطرف العالمي، مع إيماننا وقناعتنا أن الإرهاب لا دين له، وأن الإسلام بريء كل البراءة من هذه الأفكار وآثارها، ولا يمكن أن يعاب الإسلام بمثل هذه الأفكار التي تنسب إليه زوراً، إلا أن هذا الانحراف هو من الأفكار البشرية، والرؤية الحزبية، والتوظيف المقصود الذي لا يمكن التحكم فيه، والإسلام يعرف بأصوله مبادئه الحقة لا بما يتغنى به المزايدون، ومن هنا فقد جاء الأمر الملكي واضعاً النقاط على الحروف، مبيناً جذور المشكلة وأسبابها وعلاج كل ذلك بالعقوبة الرادعة، التي تعزز ما سبق من إجراءات بالمنع، والمعالجة الفكرية، وذلك ما يجعل الجميع يتفاءل بمستقبل يخلصنا من هذه الآثار الحزبية التي سعت لتفريق وطننا، وإبعاده عن معالم الوطنية الحقة، ومكامن القوة المتمثلة في اللحمة الوطنية، ولكنهم سينقلبون على أدبارهم بإذن الله عز وجل.

3 - نظراً لما تقوم به الجماعات من أعمال وتصرفات بني بعضها على السرية والتنظيم والتلون والتقلب، وهذا ما يستوجب المتابعة والتحديث فقد ورد في الأمر الملكي ما يحيل هذه المسؤولية إلى لجنة تتشكل من مجموعة من الوزارات لها ارتباط إما بالشأن الإسلامي أو بالمنظومة العدلية أو بالعلاقات والشؤون الخارجية وذلك لإعداد قائمة محددة بالجماعات والتيارات التي تضمن الأمر الملكي التشديد فيها ومتابعتها، للتضييق على أعمالها كونها مما يزيد اشتعال الفتن، وتأجيج الأوضاع الداخلية والخارجية، وهذا شأن لا شك أنه من الأهمية بمكان، واللجنة هي مرتكز هذا الأمر، ولذا فإن المسؤولية عظيمة عليها في تحقيق هدف ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، وحماية المجتمع من هذه الجماعات وتأثيرها، ويعول عليها في المتابعة الدقيقة، واستقراء واقع هذه الجماعات واستدعاء ماضيها وتأريخها وأجنداتها والرفع بذلك لولي الأمر، ولا بد أن يكون من يشارك في هذه اللجنة ممن عرفوا بخبرتهم الواسعة، وعلمهم الغزير، ووطنيتهم الخالصة، ومنهجهم السليم، وتأريخهم النقي من هذه الولاءات والانتماءات ليكون ذلك محققاً للهدف، مغلباً للمصالح العليا فوطننا الغالي ومعه أمتنا الإسلامية والعربية، الجميع يمرون بمرحلة تاريخية حرجة جدا، انفلتت فيها الأزمات والمحن واشرأبت أعناق الفتن، وتفككت بسببها مجتمعات ودول، وضاعت معها الحقوق، وترأس بها الظلم، واختلت معها موازين العدل، وساد الجهل ورُفعت فيها الرايات السوداء فوق راية الدين الحق.

وقد حفظ الله تعالى بفضله ومنته بلادنا الغالية من تلك الفتن، وجمع كلمتها، وصان عقيدتها، ومنهجها الرباني، وإتماما للنعمة وتحقيقا للتوكل وأخذا بالأسباب جاء أمر خادم الحرمين - أيده الله - لوأد الشر ودرء الفتنة، ولتحقيق السلم والأمن الاجتماعي صيانة للدين والدولة معا وحفظا للوطن والمواطن، وتحصيناً من هذه الجماعات والتيارات الدخيلة على وطننا الطارئة على تأريخنا الإسلامي.

وأخيراً فإن الأمر الملكي الكريم المبارك، انطلق من الثوابت والقيم والأصول الشرعية التي تطبقها المملكة وتقوم عليها منذ تأسيسها وتوحيدها على يد إمام العدل الملك الراشد عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ طيب الله ثراه -، إضافة إلى ما تضمنه من المقاصد الشرعية والضرورات الكلية المتمثلة في حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وحفظ الوطن والأمة وتآلف الأفراد والمجتمعات والبعد بها عن كل أسباب التفرق والاختلاف.

كما جاء هذا الأمر الكريم انطلاقا من دور المملكة الرائد دائما، للحفاظ على سلامة وأمن واستقرار مواطنيها والأمة الإسلامية والعربية بأكملها، بل والإنسانية جمعاء.

وهو يحمل في طياته، رسالة واضحة إلى الدول الغربية، التي تزايد على المملكة في مكافحة الإرهاب والتطرف، في ذات الوقت، الذي تسمح فيه لأرباب الفكر المنحرف والمتطرف بالإقامة على أراضيها، يسرحون ويمرحون وينفثون علينا سمومهم، ويوجهون إلينا سهامهم القاتلة.

كما ينم هذا القرار عن الدور الفاعل والمهم للمملكة في هذا الإطار، وتأكيدا على حرمة الدماء والأموال والأعراض، ويؤكد على قيم الإسلام الوسطي، الذي ينبذ العنف والتطرف والإرهاب والفساد في الأرض، ويضع شعوب ودول العالم الإسلامي والعربي في مصاف الدول المتقدمة، ويبرز الصورة المشرفة والمشرقة لديننا الحنيف الذي ساهم في صنع الحضارة الإنسانية وخدمة الأمن والسلم العالمي.

وهذا كله يدل على ما حبى الله القيادة الحكيمة الرشيدة من حكمة وعقل وإنسانية ووعي كامل بمكامن الشر ومواطن الخطر، وقدرتها على مواجهته والقضاء عليه، واعتزازها بإعلاء شأن الشرع وإصرارها على قطع الطريق على الفساد والمفسدين وأرباب الفتن والشرور.

حفظ الله قيادتنا الرشيدة وبلادنا الغالية الحبيبة من كل سوء ومكروه، وجعلها دائما وأبدا فخرا وعزا، لوطننا الغالي، وعونا للإسلام والمسلمين، ومشعل هداية للبشرية، ورمزا للإنسانية، والحمد لله رب العالمين.

مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

مقالات أخرى للكاتب