Friday 14/02/2014 Issue 15114 الجمعة 14 ربيع الثاني 1435 العدد
14-02-2014

اعرف بلدك

التفت إلى الراكب بجواره مسلماً عليه ومعرفاً بنفسه ومتفرساً في ملامح وجهه رغبة منه في فتح قناة تواصل وحوار مؤقتة معه يقطع بها ساعة السفر هذه، ويسلي عن نفسه همومها، ويطرد النوم عن جفنيه، فالرحلة كانت في الصباح الباكر الذي عادة ما يكون صاحبنا في فراشه لم ينهض بعد ليستقبل يوماً جديداً في حياته.. كان صوت هذا الرجل الخمسيني مرتفعاً بشكل ملفت للنظر، يسمعه حين يتحدث كل من حوله خاصة أن الجميع في صمت مطبق فهم إما إنسان خلد للنوم أو أنه أمسك بالجريدة يقلب صفحاتها بهدوء أو أنه جلس يمارس عادته الملازمة لها في الضرب على أحرف بالجوال حتى وإن كان مقفلا.

كان المتحدث هذا يحكي قصة حياته ويروي تنقله في عالم الأرض الفسيح من بلد إلى آخر ومن ثم العودة إلى المملكة قبل أسابيع فقط، ويختم كل هذا التطواف بقوله وبلغة فيها حرقة ومرارة وشعور بالأسى (تصدق بعد عشرين سنة من الرحيل والسفر هنا وهناك عرفت بلدي، نعم عرفت ماذا تعني المملكة العربية السعودي للعالم ليس فقط للسعودي ولا الخليجي أو العربي ولا حتى المسلم بل الغربي الأمريكي والأوربي على حد سواء، ولذلك عدت إلى هذه الأرض الطيبة من بلاد الغربة وأنا أكثر تعلقاً بها وحباً لها وشعوراً بالانتماء الحقيقي لكل مفاصيل الوطن بلا استثناء).

هذا الكلام سمعت شبيهاً له ومقارباً منه في مناسبة عشاء دعا لها أخي وصديقي الحبيب الدكتور رشيد البيضاني «أبا الوليد»، تشرفت فيها بلقاء ثلة من مثقفي ومفكري جدة أثناء إجازة منتصف العام الدراسي، كان الحديث في بدايته عن الربيع العربي والوضع السياسي والعسكري في عالمنا العربي بالوقت الراهن ثم تركز على الصراع العربي / الفارسي والخطر الذي يحدق ببلادنا المملكة العربية السعودية !!، وإذ بمفكر إستراتيجي معروف وذو باع كبير وشهرة واسعة في هذا الموضوع على وجه الخصوص يقلل من شأن هذا الصراع ويزيل عن جلنا الخوف الذي يساورنا جراء القوة التي يملكها الإيرانيون في مقابل محدودة ما لدينا كما يظن الأكثرية منا!!، ويكرر هذا الرجل الإستراتيجي نفس العبارة التي قال من كان يتحدث في الطائرة لمن هو جواره.. (مشكلة الكثير أنه لا يعرف بلاده جيداً ولا يقدر ثقلها ووزنها الدولي ولا يعلم حجمها الحقيقي ليس المعنوي فحسب بل المادي الذي هو من الأهمية بمكان في أي صراع محتمل لا سمح الله).

مشكلتنا أن هناك شريحة عريضة من أبناء الوطن لا تضع الأمور في نصابها الحقيقي وكثيراً ما تختل في حسها قوانين موازين القوى وربما راحت بعيداً في تصوراتها وأطلقت العنان لحروفها وكلماتها أن تسجل ما يصل إلى القارئ سواء من خلال الشبكة العنكبوتية أو حتى الصحف المقروءة ما يعظم الخوف لديه ويعزز الشعور بالدونية العسكرية في حرب يظنها قريبة وفي دائرة المحتمل، والله أعلم بها.

هذا فحوى كلامه تقريباً، ولم يُسلّم له الجميع بكل ما قال بل كانت ردود الفعل عاصفة من البعض .. والشاهد عندي من الموقفين في هذا المقال أن كثيراً منا يكتب ويحلل دون أن يدرس ويبحث ليعرف ويصل إلى المعلومة الدقيقة في هذا المجال محل الحديث، وربما لم يكلف نفسه قراءة كتاب واحد يوصله إلى شيء من الحقيقة، ولم يطلع على تقارير صحيحة ومن جهة موثقة تدله على معالم الموقف السياسي والعسكري الذي يقيم بلاده من خلالها، بل ربما بنى ما يعتقد جازماً صدقه جراء مشاهدته برامج إعلامية موجهة، أو اطلاعه على مقولات وتحليلات مغرضة ومدلسة ومكذوبة تريد الضرر بنا وإفساد التصور لدينا.

هذه دعوة لنعرف بلادنا قبل أن نحكم على مواقفها المتخذة لسبب جد ولظرف حل، ولندرك جيداً أن هناك بعض المواقف السياسية خاصة لا نرى منها إلا جزءًا يسيراً والكثير منها قد لا نعلم عن أبعاده ولا ندرك معالمه وخباياه ومع ذلك نسمح لأنفسنا بالنقد وربما التجريح والتعريض بولاة أمرنا وقادتنا وساستنا ومتخذي القرار فينا مع أننا لا نعرف بصدق أبجديات علم السياسة والأوليات في عالم الصدامية والصراع العالمي منه والإقليمي ولا ندرك حجم التحديات ولا نعرف ممتلكات بلادنا ومقدراتها في مقابل ما عند غيرنا ولذلك نصاب بالإحباط وننقل عبر ما نكتبه ما نحن فيه من حال خاص بنا لغيرنا من أهلنا» قاطني بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية» حفظها الله ورعاها، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.

مقالات أخرى للكاتب