Friday 14/02/2014 Issue 15114 الجمعة 14 ربيع الثاني 1435 العدد
14-02-2014

بدر الربيعة .. الإداري والإنسان

لم أتمالك نفسي عندما سمعت بوفاته، وكم صدمني حزن ابنه فيصل، وإخوانه وابني عمه، وكافة أسرته وأقاربه وأحبابه، وهم يتناولون همساً بعضاً من صفاته، ومحاسنة، ولكن لكل أجل كتاب وعندها تدرك بأن ليس للإنسان إلا عمله، وما بذله وقدمه من جوانب إنسانية، وغيره على بلده ومواطنيه ومحبته لخدمتهم، لذا كسب محبة الجميع بحسن خلقه وتواضعه، وكريم سجاياه.

كان بدر الربيعة مؤمناً بالكفاءات الوطنية، وأن ليس للبلد إلا أبناؤه، وأن على المسؤول ألا يتوانى عن تقديم الخدمة لمواطنيه، وألا يغضب منهم، حتى وإن أزعجوه بمطالبهم، لا بل كان يرى ذلك جزءاً من مهمة وطنية يؤديها ناحيتهم بكل حب وإيمان واضح، إضافة لجوانب شخصية أخرى أضفت على حسه الإداري طابعاً خاصاً.

ظهرت إبداعاته الإدارية خلال عمله في الصحة، فهو أول من ساهم في إنشاء الرعاية الصحية الأولية في المملكة حينما كان مديراً عاماً للشئون الصحية في حائل ثم المدينة المنورة، ثم العاصمة الرياض، وعمل على تأسيس منظومة عمل صحية شاملة، وفقاً لرؤى مستقبلية، لخدمة الوطن والمواطن بشكل أفضل، وكان عضواً في العديد من الجمعيات الخيرية.

كان الربيعة بشوشاً ولطيفاً حتى ساعات غضبه، كانت غضبته لأجل المواطنين وكيفية التسهيل لهم وعدم إزعاجهم، وكان كارهاً للبيروقراطية، ولم يشيح بوجهه عن طالب خدمة، أو حق، وكانت تعليماته للأطباء في المستشفيات واضحة، ولصالح الناس جميعاً، وأداء الخدمة على أصولها ومتابعته للمرضى، خاصة عندما كان يشرف على علاج المواطنين في الخارج مع سمو الأمير عبدالعزيز بن فهد -حفظه الله-.

ويروي أصدقاؤه ومحبوه وأنا منهم حرصه الدائم بالسؤال عن الأقارب والأصدقاء وتفقدهم، وزيارتهم إن سنحت له الفرصة، وتقديم واجبات التهنئة، أو العزاء لهم في بيوتهم، وإن تكلف بذلك العناء من أجلهم، لأن قاعدته في الحياة كانت تقوم على ضرورة إدامة الصلة، وخاصة صلة الرحم، وعدم الانقطاع، والتأكيد على أهمية الحياة الاجتماعية والإنسانية.

ويذكره أيضاً زملاؤه في العمل، ومحبوه ومن كان لهم معه قصه، وكان له معهم وقفه فقد عبر كثيرون عن مواساتهم بفقده بقصص يرويها البعض، مثل أان الربيعة لم يكن طبيباً فقط، بل كان حلالاً للعقد والمشكلات، وعارفاً بشئون القبائل، وأديباً وشاعراً، وصاحب حجة، وله طريقة جميلة في السرد والتعبير عن المواقف وتعزيزها، وهذا الأمر جعل له صداقات وعلاقات قوية، في حائل والمدينة والرياض والمجمعة، وسائر مناطق المملكة.

ترى ما سر حضور هذه الشخصية حتى بعد وفاته، وهل يعي بعض المسؤولين في بلدنا بأنهم يؤدون أمانة، وأنهم سيسألون عنها غداً، حينما توارى أجسادهم في التراب، وهل يفكر بعضهم في الآخرة كما يفكر في الدنيا؟.. وهل يعتقد بأنه مؤبد في عمله، وأنه ليس في حاجة للناس، وليس في حاجة لدعواتهم له، أو -لا سمح الله- دعواتهم عليه، ان أساء بحقهم؟.

الربيعة كان رائعاً في حضوره، وفي غيابه، وكان إدارياً صلباً، وقائداً مبدعاً في عمله، وكان يكرس جهده لخدمة بلده، ومواطنيه دون منة، أو مصلحة ذاتية، ولهذا فإنه من النماذج السعودية النادرة التي يجب أن تحترم، والتي تستحق الكتابة عنها ليس في مقالة هنا أو هناك، وإنما في مذكرات نتمنى أن يقوم عليها محبوه ممن ارتبطوا بعلاقة قوية معه، يتحدثون فيها عن أسلوبه في الإدارة والخدمة العامة.

لقد كان محباً للخير وباذلاً له دون منّ أو ترفع، بل يستطيب أداء الخدمة، وهو يعلم بأن عمله في الصحة هو لأجل المواطن، على اختلاف درجات وعيه، أو مكانته، ولهذا كان يوم وداعه مشهوداً له، فقد غص مسجد الملك خالد، ومنزله بالناس والمحبين من أمراء ومسؤولين، ومواطنين، ولكن عزاءنا فيه ما تركه من ذكر حسن، وسمعة طيبة غفر الله له ورحمه، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة جزاء ما قدم لوطنه وأبناء وطنه.

Ahmed9674@hotmail.com

مستشار مالي - عضو جمعية الاقتصاد السعودية

مقالات أخرى للكاتب