Friday 14/02/2014 Issue 15114 الجمعة 14 ربيع الثاني 1435 العدد
14-02-2014

داعش و(جهاد الحَنْشل)!

لا أعتقد أن حركة معاصرة أحسنت للإسلام والمسلمين دون أن تقصد مثلما فعلت داعش وفعل الداعشيون. من يقرأ تاريخ الإسلام (الحركي) المعاصر يكتشف بسهولة أن (الانتهازيين) وظفوه فعلاً وقولاً لتحقيق مصالحهم؛ سواء كانت هذه المصالح مالية، أو وجاهية، أو سياسية، أو ثورية. فما عليك كي تمهد الطريق إلى مصلحتك - أياً كانت هذه المصلحة - إلا أن تُرائي و(تتأسلم) وتتمظهر بمظاهر الإسلام الشكلية؛ فتترك اللحية، وتمتنع عن لبس العقال، وتُقصر الثوب حتى منتصف الساق؛ و(الأهم) - كي تنطلي اللعبة - أن تقف بكل قوة - (لا تخاف في الله لومة لائم) - مع الجهاد والمجاهدين في أي مكان وزمان؛ ولا يهم (إطلاقاً) أن يلتزم من تساندهم بشروط الجهاد وضوابطه الشرعية كما حددها فقهاء الإسلام الأوائل، بقدر ما يهم أن تقف مع الجهاد (الثَورَجي) تحديداً، أو كما سمّاه أحد الساخرين: (جهاد الحنشل)؛ والحنشل في لهجتنا هم اللصوص وقطاع الطرق في مرحلة ما قبل الدولة المركزية.

داعش (كَبّت العَشا) وفضحت القصة، وأظهرت جهاد الحنشل كما هو على حقيقته؛ تماماً مثلما تُقدمه (المسرحيات) النقدية الساخرة.

ومن المفارقات المثيرة للسخرية أن حركة داعش هذه لا تتورع في تكفير كل من اختلف معها دون حساب، حتى وصل بأحد كوادرها الأمر إلى تكفير «عبدالعزيز الطريفي» وهو أحد مشايخ الجهاديين المشهورين في بلادنا عندما خَطّأ ما يفعلون؛ بمعنى لو أن أحد الداعشيين ظفر به لقتله وهو يصيح (الله أكبر) طالما أنه في معاييرهم (كافر)، أملاً أن يُمهِّد دم الطريفي طريقه إلى الجنة والتمتع بالحور العين. في حين أن «يوسف الأحمد» كان أذكى قليلاً من صاحبه الطريفي؛ فلم (يتجرأ) ويُخطّئ داعش ويسكت عن جبهة النصرة القاعدية - كما فعل الطريفي - وإنما طلب من الطائفتين المتخاصمتين إصلاح ذات البين؛ ولام بعض الدعاة الذين نقدوا داعش وشَهّروا بها وأثنوا على جبهة النصرة (القاعدية)، ونصحهم بأن يكون نقدهم في (السر) وليس العلن كما جاء في نصيحة له (تويترية)، ونسي -أصلحه الله وفتح على قلبه- أنه من كبار (المجعجعين) بالنصيحة على رؤوس الأشهاد للقاصي والداني؛ ما يدل على أنه انتقائي بامتياز.

هل أقول: (بضاعتكم رُدّت إليكم)؟

نعم هي كذلك؛ فكما تَدين تُدان؛ وعندما لا تلتزم أنت بضوابط الجهاد الشرعية التي سنها علماء الإسلام على مدى قرون، وتضرب بها عرض الحائط، فلا تنتظر في المقابل من مناوئيك أن يلتزموا بضوابطك أنت؛ فما أجزته لنفسك يجب أن تُجيزه لغيرك.

ومهما يكن الأمر فإنني لا أرى فرقاً بين (الداعشي) و(القاعدي) وبالذات في منهج الاستدلال وأسلوب تأويل النصوص والاستخفاف بتكفير المسلم ومن ثم إهدار دمه، حتى وإن كان من تراه (كافراً) طبيباً أو ممرضة أو مريضاً في مستشفى لا حيل له ولا قوة، كما فعل القاعديون في مستشفى (العرضي) في اليمن أو كما يفعل الداعشيون في سوريا والعراق؛ غير أن الفرق فقط في (مصلحة الحركة) وفي من يحق له الغنيمة والمكاسب من الجهاد؛ فالداعشي (يُكفر) كل من وقف في سبيل تحقيقه لمصلحة حركته حتى وإن كان (قاعدياً)، كما أن القاعدي (يُكفر) كل من وقف في سبيل مصلحته حتى وإن كان (داعشياً).. وأتذكر هنا مقولة تُنسب لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حول الاختلاف في توظيف النص القرآني تقول: (هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق، إنما ينطقُ به الرجال).

والسؤال: بعد أن تجلى للجميع همجية هذه الحركات (التكفيرية) التي تتذرع بالجهاد وانتهازيتها (المصلعة) هل ستبقى؟.. أكاد أجزم أننا نعيش الآن مرحلة نهايتها؛ فقد بلغ السيلُ الزُّبى.

إلى اللقاء.

مقالات أخرى للكاتب