Friday 21/02/2014 Issue 15121 الجمعة 21 ربيع الثاني 1435 العدد
21-02-2014

المجتمع.. بين المطرقة والسندان!

المجتمع السعودي بطبعه مجتمع تغلب عليه الطباع الطيبة، المستقاة من الأخلاق الكريمة، التي جاء النبي الأكرم - صلى الله عليه وسلم - ليتمم مكارمها، ثم توالى الزمن وويلاته وجهالاته، حتى خفَت ضوؤها في أماكن عدة في محيطنا، كما نسمع ونقرأ في كتب التاريخ، ثم بزغ فجر النور والهدى والأمن، بظهور (المحمدان الجليلان) محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود - رحمهما الله وأجزل لهما الأجر والمثوبة - فرفعا راية الوفاق والوئام واجتماع الكلمة، فامتزجت السياسة بالدين، وسارا جنباً إلى جنب، وبدأ فجر جديد على هذه الأرض الطيبة، توالت خيراته، قوامه النيّة الصالحة، لإعزاز هذا الدين وإقامة شريعته، فجاء البطل الهمام المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - ليكمل نور المسيرة ويثبّت الأمن ويوطّد عرى التماسك والترابط بين أفراد المجتمع، بعد أن كانت الفرقة والشتات والسطو، أركان الضياع والخوف إبان ذيك الفترة وسماتها، فبدأت في عهد المؤسس - رحمه الله -البشائر، المؤذنة ببداية عهد جديد، قوامه الأمن وإقامة شريعة الله وإشاعة الأخلاق بين الناس، وتوالت العهود الخيّرة بعد عهد المؤسس - رحمه الله - يضطلع بها أبناؤه البررة، حتى جاء هذا العهد الميمون عهد الملك الصالح عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - أعزه الله - الذي نتفيأ ظلاله بتوفيق الله.

لكن يا جماعة الخير، اسمحوا لي بهذه التساؤلات، هل نحن مُقدِّرون لهذه النعم المتعددة والمتنوعة، التي أكرمنا بها المولى القدير؟ هل قدّرنا فقط، نعمة الأمن، التي بالكاد، تكون متوافرة عند غيرنا؟ هل قدّرنا ما يجري حولنا من اضطرابات وقلاقل، أحرقت الأخضر واليابس؟ وهل من الممكن قياس قيادتنا، بقيادات طاغية؟ كل ما يجري حولنا، يستلزم منا، متى ما كنا عقلاء وحكماء، أن نعي الخطورة، التي تتحرش بنا، التي يعصف البعض أذهانه في الاتجاه المعاكس، لتماسك أطيافنا، وسلامة سفينة مجتمعنا، محاكاة لثورات، تزعم أنها، تقود للربيع، كما يحلو للبعض، التغني به، وهي خريف بدرجة، تفُوق فقدان العقل، ضاعت بسبب هذه الثورات، المبادئ، وفقد زمام السيطرة، وتشعبت مسارات الاحتراب، لدرجة أن الأخوين في فصيلين متحاربين، يتقاتلان، حمية عمياء، تقودها عصبية خوارج هذا العصر لا غير، نحن وإن كان ما يجري حولنا، يؤلمنا، غير أن شرارته، قد تصل إلينا، بطريقة أو أخرى، كيف لا! ونحن نرى فئات من مجتمعنا، يتراشقون فيما بينهم، نعم لو كانت هذه والحالة تلك، تجري في مجالسهم أو ديوانياتهم أو في محيطهم المستور، لقلنا هان الأمر، لكن أن يكون هذا التراشق وهذا التنابز وهذه الاتهامات، في منابر إعلامية مكشوفة، تصل صورهم وصراخهم إلى أقاصي الدنيا، يفرح بها العدو، ويجعلها مبرراً له لاتهام هذه البلاد، ونحن أمام حماساتنا غير المنضبطة، لا نشعر بالذنب الذي نرتكبه في حق الوطن والمجتمع.

شخصياً أعتبر كل ما يجري على الساحة الإعلامية، مما له صلة بالاحتراب في سورية، كله حماقات من شأنها، جر المجتمع للانقسام على نفسه، لتكبر الهوة وتصيب الوطن في خاصرته، ثم يدفع الجميع الثمن، ودعونا نضع النقاط على الحروف، المنفلتون من عقال الحكمة، فريقان يصطلي المجتمع بنارهما، المتحررون والمتشددون، ومجتمعنا، قابع بين سندان هؤلاء ومطرقة أولئك، وقت الأزمات يبرز المتشدد بأطروحاته وفرقعاته غير المنضبطة، التي لا تتواءم مع أطروحات علماء الحكمة، ولا توجه الدولة، تُؤجّج بها النفوس والعواطف، وتجيشها تحت مظلة الدين، وهذه أم المصائب، وإياك أن تقترب، ولو لمجرد نصيحة، تأتيك سهام القوم، مما يعني إن لم تكن معي فأنت ضدي، هذه مطرقة المتشدد ترفع فوق رأسك وقت الأزمات. أما سندان المتحرر، فيبدو أنها تكون هادئة وقت الأزمات نوعاً ما، ونائمة نوم الذئب! لكنها سرعان ما تفوق وقت الهدوء، لإثارة بعض القضايا المجتمعية النائمة، ويبدأ معه سيناريو مسلسل الإثارة والحراك المقلوب، وكلا هذين الطرفين، يسيران بالمقلوب من خلال خطين متقاطعين، يسعيان من حيث يشعران أو لا يشعران، لتقطيع وتفريق أوصال الوطن وتمزيق وحدته وخلق دواعي الضغوطات النفسية بين أفراد المجتمع، بدليل تلك الأصوات، التي تمتدح هذا الطرف وتقدح بذاك، حتى بات موضوع السب والشتم وتصنيف خلق الله، متعلقاً برقابنا، والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه، أين عقلاؤنا وحكماؤنا وعلماؤنا الكبار، من كبح جماح هذا التهور والتراشق الفكري، الذي يسعى لسلخ المجتمع من قيمه وأخلاقه؟

تكفون، أدركوا سفينة المجتمع، من الغرق... ودمتم بخير.

dr-al-jwair@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب