Wednesday 26/02/2014 Issue 15126 الاربعاء 26 ربيع الثاني 1435 العدد
26-02-2014

الديمقراطية .. وحقيقة القابلية العربية!

الجدل الفكري الذي جرى ولا يزال بين النُّخب العربية المثقفة على خلفية ما يسمّى ثورات الربيع العربي، لم يقف عند حدّ سؤال البحث عن حقيقة ما حدث: ثورات شعبية، أم فوضى خلاّقة صنعها الغرب؟. إنما تحوّل إلى سؤال أعمق منه فكراً وأكبر منه بعداً، سؤال لم يكتف بالاستفهام عن مجريات الواقع العربي في صحراء التيه السياسي،،

إنما راح يحاول استشراف مستقبل العرب الحضاري. والسؤال هو: هل الشعوب العربية لديها قابلية حقيقية وفعلية للممارسة الديمقراطية؟. بحيث تبدو ثورات ما يسمّى ربيعها العربي، مرحلة مهمة في مسيرتها النضالية وفرضية حتمية لدخول الحياة الديمقراطية كبقية شعوب الأرض. أم أنّ تلك الثورات كشفت - أو إنْ صحّ التعبير فضحت - بطريقة غير مباشرة ثقافة التيارات الفكرية، والأحزاب السياسية، واللجان الشبابية الثورية؟ من واقع موقفها الحقيقي والحضاري من الديمقراطية، وأنها استغلّت - بصورة انتهازية وحيلة سياسية - الرغبة الجماهيرية العارمة في التغيير السياسي على صهوة الثورات، فتظاهرت تلك الأحزاب والتيارات واللجان، على أنها هي وقود ثورات التغيير، وحامية الدول الديمقراطية المرتقبة. وبالتالي يبدو الجدل الفكري اليوم حاداً في أوساط النخب المثقفة على امتداد الوطن العربي حول (حقيقة القابلية العربية للديمقراطية)، بكل أدواتها البرلمانية، والانتخابية، والتعددية، والدستورية وغيرها.

فهناك من يرى أنه مهما كانت رغبة الجماهير العربية صادقة، وإرادتها صلبة في الممارسة الديمقراطية، فإنها ليست كافية للمرور الآمن نحو ممارسة العملية الانتخابية والحياة البرلمانية وصولاً إلى واحة الديمقراطية، فالديمقراطية ليست (وصفة سحرية) يمكن تطبيقها في كل حال، وفي أي زمان ومكان، ولكنها قيمة حضارية وعملية سياسية تتطلّب تأسيساً ثقافياً عاماً، وممارسة حقيقية باتجاهيها الأفقي والرأسي على كل مستويات المجتمع، الأسرية، والتعليمية، والسياسية، والاقتصادية، وغيرها، فلا تكون محصورة بالنخب المثقفة، أو الأحزاب السياسية، بل ممارسة يومية حقيقية يؤمن بها العربي كأسلوب حياة، ويعيشها في بيته وبين أفراد أُسرته قبل فضائه الاجتماعي. فتصبح هي القاسم المشترك بين الجميع، واللغة العامة في التعاطي الحضاري بين كل أفراد المجتمع ومؤسسات الدولة، بحيث تنسحب على احترام الآخر، وحقه في التعبير، والمشاركة، وعدم الإقصاء، أو التعدي عليه. وغيرها من وجوه الممارسات الإيجابية المكملة للحياة الديمقراطية، ومن ثم يتشكل الإرث التاريخي الديمقراطي لهذا المجتمع أو ذاك، كما نرى ذلك شاهداً حاضراً في الواقع الغربي. هذا الرأي يمكن أن نصفه بـ(الرأي الثقافي الديمقراطي)، فالغرب بنظر أصحاب هذا الرأي اليوم يتمتع بثقافة ديمقراطية هي نتاج للممارسة الديمقراطية المستمرة والشاملة، لأنه تأسس على قيمها، وعلى مستوى طبقات العائلة الواحدة، التي هي لبنة المجتمع. فتجد المسؤول السياسي، والإنسان العادي، والأستاذ الأكاديمي، والعضو الحزبي، وغيرهم من فئات المجتمع الغربي يمارسون الديمقراطية على درجة واحدة من الفهم والتطبيق، بغض النظر عن انتماءاهم الحزبية، وتياراتهم الفكرية، وخلفياتهم الثقافية. لهذا فمثقف هذا الرأي يرى أنّ الديمقراطية لا تأتي بالتمني والرغبة، إنما بالثقافة والتأسيس، وعليه فلا يعول على نجاح أية ثورة عربية في تكريس الديمقراطية، أو تحويل إي مجتمع عربي من تقليدي إلى مدني ديمقراطي، ما لم يمر بتجربة تاريخية مشابهة للتجربة الحضارية الغربية، وأنّ المطلوب للشعوب العربية (ثورة ثقافية فكرية) وليست ثورة شعبية سياسية.

في المقابل يرى فريق آخر وهم أصحاب (الرأي الثوري الديمقراطي)، أنّ مرور المجتمع بثورة ثقافية وفكرية على قيمه وأفكاره السائدة قبل ثورته الشعبية، هو ما يحقق الديمقراطية، يراه رأياً غير واقعي، لأنه ليس شرطاً أن تستنسخ أية أمة تجربة أمة أخرى في المسائل الحضارية، خصوصاً أنّ ظروف الغرب خلال تجربته التاريخية تختلف عن ظروف العرب خلال تجربته الحالية، من حيث الأدوات والوسائل والمعارف. فالطور الحضاري في تكريس قيمة إنسانية معينة في أوساط المجتمع قد يمتد مع إحدى الأمم بضعة قرون، ومع أمة أخرى بضع سنوات، بسبب أنّ هذه الأمة استوعبت دروس هذا الطور ونجحت في تجنُّب الأخطاء والانتكاسات. وبهذا يرى أصحاب فكرة أنّ الديمقراطية تتحقق من لهيب الثورات، وأنّ كثيراً من الأمم لم تتذوق طعم الحرية وتمارس الديمقراطية إلا بعد اندلاع الثورات الشعبية، رغم أنها لم تتمتع بقدر كبير من التأسيس الفكري والتنوع الثقافي. وبهذا هم يبررون كل الأحداث الدامية في ثورات ما يسمّى الربيع العربي، وأنه من الطبيعي سقوط ضحايا لأنّ الهدم يختلف عن البناء.

لكن فات على أصحاب هذا الرأي (الثوري)، أنّ أية ثورة من ثورات ما يسمّى الربيع العربي لم تحقق الحد الأدنى من مفاهيم الثورة الحقيقية، التي تعني إسقاط النظام كاملاً واستبداله بآخر على مستوى جميع مؤسساته، فالذي حدث هو مجرّد احتجاجات شعبية تحوّلت إلى مطالب ثورية وحقوق مدنية. لهذا نلحظ أنّ نتاج هذه الثورات من حيث العمل الديمقراطي بطيء في خطواته وهش في بنائه، فظهر بصورة صراع أحزاب سياسية ومؤسسات مدنية وعسكرية على كرسي السلطة بعد فراغه، سواءً بهروب الرئيس، أو تنازله، أو خلعه، أو قتله.

وبين هذا (الرأي الثوري) الذي يرى الديمقراطية من خلال الثورة، و(الرأي الثقافي) السابق، الذي يرى الديمقراطية من خلال الثقافة، يبدو رأي ثالث يرى أنّ المهم لشعوبنا العربية ليس الديمقراطية السرابية، إنما (التنمية) بكل ميادينها وأبعادها، فلا فائدة من ديمقراطية في شعوب تفكر بشكل قبلي، ولا فائدة من ديمقراطية في شعوب تعاني الأمية والتخلُّف، ولا فائدة من ديمقراطية في شعوب معدّلاتها في التنمية البشرية متدنية بشكل مروّع. فالإنسان العربي اليوم يحتاج لحقوقه الطبيعية وخدمات تنموية كاملة، متى ما توفرت له سيكون في بيئة نقية وهادئة تدفعه نحو تلقِّي المعرفة والتثقيف والتمدن الحضاري، وبالتالي فهم الديمقراطية المطلوبة، بناءً على طبيعة نظامه السياسي وتركيبة نظامه الاجتماعي.

moh.alkanaan555@gmail.com

تويتر @moh_alkanaan

مقالات أخرى للكاتب