Monday 10/03/2014 Issue 15138 الأثنين 09 جمادى الأول 1435 العدد
10-03-2014

الولاء المزدوج في السياسة الشرعية..

من ينزع فتيل الألغام السياسي قبل انفجارها مجدداً في تاريخ العرب الحديث، فالحرب الأهلية العربية على الأبواب، وقد تتكرر فصولها القديمة في مشاهد جديدة، ويرتبط ذلك بإرث إسلامي سياسي روحه التكليف الديني في وجوب البحث عن الفردوس الموعود في مستقبل الأمة، وظاهره التسليم للواقع وانتظار الفرص التاريخية، وقد أدى ذلك عبر التاريخ إلى ميلاد مسارات متعددة للأفكار والمذاهب، قد تختلف في بعض التفاصيل، لكنها تخدم فكرة واحدة، وهي الوصول إلى كرسي الحكم لتحقيق الوعد المنتظر، وإذا تحقق هدف الوصول، تتأجل الأهداف المعلنة إلى أجل غير مسمى، ثم تبدأ مسارات جديدة للأفكار السياسية، وهكذا.

في زمن الحداثة تم تأطير تلك المسارات الفكرية بمصطلح الأيدولوجيا، ولن أدخل في متاهة تعريب المصطلح الشهير، وسأقبل أنها تعني ببساطة الإيمان بأفكار محددة لدرجة اليقين، على أنها الحق الذي يجب تحقيقه على أرض الواقع، والمسلمون بمختلف أطيافهم وألوانهم وعوامهم ونخبهم مؤدلجون حتى النخاع، سواء كان بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ويغذي ذلك أن الدين الإسلامي يحمل في أخباره الصحيحة الوعد الإلهي بدولة النبوة والرشد في مستقبل الأمة.

لذلك تعيش عامة المسلمين كافة في حالة إيمان وانتظار للوعد النبوي، وأصبح ذلك الوعد الذي طال انتظاره السبب خلف ازدواجية الولاء بين المسلمين، أحدهما ولاء مؤقت للأمر الواقع، والآخر ولاء أبدي للوعد المنتظر في خلافة راشدة، وهو ما يعني أن السياسة ركن أساسي في الدين الإسلامي، وربما أحد محركاته التاريخية.

في الدين الإسلامي فلسفة عميقة الأثر للتغيير، وتظهر في الآية الكريمة {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، وقد ورد في الكتاب وعد للمستضعفين في الأرض بالإمامة، {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ}، ويزيد ذلك من حدة الصراع بين فئات المجتمع، ويدخل ذلك في صميم السياسة الشرعية للدين، وسيكون من الصعب جداً الخروج عن ذلك النسق في عقول البشر.

لم يصل ذلك الحراك المشتعل منذ أكثر من ألف عام إلى درجة التنظيم السياسي في المجتمع بسبب نزعة الصراع والرغبة في الاستيلاء على السلطة من قبل الأفكار المتضادة، ثم نفي الآخر في غياهب التاريخ، كان ذلك مضمون التاريخ الإسلامي في مختلف فصوله السياسية، وكان من المنتظر أن يطور فقهاؤه نظريات سياسية تؤدي في نهاية الأمر إلى إخماد روح الثروة في المجتمع المسلم، لكنهم لم يفعلوا ذلك، واستبدلوها بالولاء المزدوج، بينما توصلت الأمم الأخرى إلى أساليب حديثة لتنظيم حياة الدول، وتطيل عمرها إلى قرون عديدة، وقد أدى ذلك إلى سيطرة الغرب على الحضارة الإنسانية.

بسبب غياب متلازمة التطور السياسي ازدهرت الفرقة والطائفية بين المسلمين، بعد أن ضلوا طريق الديمقراطية، ولم يتوصلوا لاتفاق على مبادئ وأصول تحفظ حقوق وحرية الإنسان، وتكون بمثابة الوعد الذي يحقق العدالة بين المسلمين، لكن الأمر تحول إلى أشبه بدوري تحكمه قوانين العنف السياسي والإقصاء، وهدفه الاستيلاء على الحكم السياسي، ثم تحويله إلى غنيمة تاريخيه يتقاسمها القلة، وهو ما يدفع الآخرين إلى العمل في الظاهر والباطن للوصول إلى ذلك الهدف بأي وسيلة كانت، وذلك لأخذ نصيبهم من التاريخ السياسي، وسيكون ذلك قدر العرب إذا لم يصلوا إلى قناعة مفادها أن الفرقة لا تولد إلا الصراع المستمر.

في نهاية الأمر، لا زالت الديمقراطية وآليات المجتمع المدني تضل طريقها إلى العقول العربية، برغم من أنها تحمل في مضمونها السلام، وتملك الحلول القادرة على تحويل الأفكار السياسية من نزاع فكري إلى آليات مدنية وحلول اقتصادية وأنظمة تفرض القانون والمساواة بين أفراد المجتمع..، أكتب هذه الكلمات والعالم العربي يمر في مرحلة أقرب في أكثر من أي وقت مضى إلى زمن الحرب الأهلية العربية الشاملة، والتي قد تقضي على الأخضر واليابس إن استمرت أساليب «أنا ومن بعدي الطوفان».

مقالات أخرى للكاتب