Sunday 16/03/2014 Issue 15144 الأحد 15 جمادى الأول 1435 العدد
16-03-2014

نسمع .. و(نَسْلم)..؟!!

- رحم الله أيام زمان وأهل زمان، كانوا يدفعون سماع الشائعات والأخبار الشائنات؛ بجملة جابّة لما بعدها فيقولون: (نسمع ونسلم).

- نسمع ونسلم.. يا لطيف.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. الشر برا وبعيد..! خطوط دفاعية متينة؛ لدرء الشر المتلبس بما يُنقل ويُقال، أو يُشاهد ويُرى، مما يخالف الطبيعة البشرية، ويتعدى الحدود العرفية والشرعية والأخلاقية المتفق عليها بين الناس.

- من كان يتصور وقتها أن جدار الدفاع بهذه الجملة؛ سوف ينهار قسراً، وتصبح مفرغة من معناها ومبناها، فنسمع غصباً عنا، بل ونرى بأمهات أعيننا، ما يؤذي ويخدش، وفي حالات كهذه؛ قد نسلم أو لا نسلم، ولا يسلم أحد من أذى ما يسمع أو يرى في زمن غير الزمن الذي شهد خط دفاع: (نسمع.. ونسلم).

- من كان يظن؛ أنه سوف يسمع ويرى ويشاهد بأم عينيه؛ ما يسيء ويؤذي؛ دون أن يستطيع فعل شيء؛ غير أن يسمع ويرى ويشاهد..؟!

- السماع كان مشافهة بين شخص وشخص وأشخاص. اليوم تلاحقك التكنولوجيا في كل مكان أنت فيه، حتى في غرفة نومك، ومثلها الرؤية والمشاهدة، بعد أن اقتحمت حياة الناس بدءاً من الراديو، ثم التلفزة، ثم الهواتف والجوالات، ثم جاء الإنترنت بوسائل اتصال رقمية سريعة فعالة، توفر السماع والرؤية معاً، وتنقل العالم كله إلى كفك أينما كنت.

- الواحد منا يسمع ويرى ويقرأ ويشاهد في اليوم والليلة؛ مئات وآلاف الأخبار التي في مجملها غير مريحة، وغير سارة، بل ضارة نفسياً إلى حد بعيد، وهذا يفسر تفشي حالات النزق والقلق، وتوتر أعصاب الناس، وكثرة شجارهم وعراكهم، ونزوع بعض منهم إلى الجريمة ومنها الانتحار، وكثرة المعتزلين للحياة العامة، والمنعزلين في دورهم لا يزورون ولا يُزارون..!

- هذه ليست حالة خاصة بشعب دون آخر. العالم كله يعاني مما صنعت يداه. هذا لا يعني مقت المنتج الحضاري ومقاطعة العالم الرقمي، لأن هذا هروب وضعف وانهزام أمام التكنولوجيا وما تفرزه علمياً، ولكن يبدو أن لكل جديد في حياة البشر، تضحيات تقدمها المجتمعات وهي صاغرة، ومن أخطر هذه التضحيات التي تقدمها البشرية اليوم، راحتها النفسية، مقابل استمتاعها بوسائل حديثة للتواصل، لا غنى عنها، ولا مفر من تبعاتها وأمراضها العصرية.

- من المؤكد أن كل الناس في هذا العالم، واقعون تحت وطأة ما ينشر عنهم من أخبار سيئة عبر مختلف الوسائل، فلا يستطيع أحد الانفكاك من هذا الواقع إلا بالعزلة أو الموت. إن سماع الأخبار السيئة؛ يخلق للكثيرين منهم مشاعر مضطربة، نتيجة معلومات يتلقونها تجعلهم يتفاعلون معها بعقولهم، فتحدث عندهم ردات فعل سلبية.

- تأتي هذه الأخبار السماعية والمرئية وسواها؛ على مستويات عدة، فهي تمس الإنسان نفسه، أو تمس عائلته ومنطقته وبلده، أو تمس أناساً آخرين في مكان ما من هذا العالم، ولكنه يتعاطف معهم بحكم الفطرة أو الانتماء.. إلى غير ذلك.

- مكنوز كبير تستقبله النفس البشرية جراء ما ينشر من أخبار سيئة، فإذا واتى ذلك ما يعانيه المرء من عوامل نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، فهي تخلق نفساً جديدة مريضة بالخوف والقلق والاكتئاب والحزن. وماذا يحدث بعد ذلك..؟ شخصية مدمَّرَة، أو مدمِّرَة.

- الأخبار السيئة تعكس أفعالاً تكاد تكون يومية، وفيها القتل، والتشريد، والقهر، والاغتصاب، والتجويع، والتعذيب، واستخدام العنف ضد كبار السن والأطفال والنساء، إلى جانب العوامل الطبيعية التي تعرض حياة الناس لأخطار جسيمة.

- إن درجة التحمل تختلف من إنسان إلى آخر، فلكل إنسان طاقة صبر لها حدودها، والخوف من المستقبل ومما يجري عادة؛ يأتي في مقدمة الظواهر الناتجة عن ضعف درجة التحمل عند الخائف، وهذا وحده يؤدي إلى أمراض خطيرة، منها محاولة الهروب من الواقع، باللجوء إلى العزلة أو تعاطي المخدرات والمسكرات.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

- تشير تقارير طبية حديثة؛ إلى أن ضحايا سماع الأخبار السيئة؛ يتعرضون إلى أمراض جسدية إلى جانب النفسية، منها: (تساقط الشعر نتيجة الخوف، واضطرابات القلب، وزيادة فرص الإصابة بمرض القلب، وأمراض جلدية، وحدوث بعض الجلطات).. والخوف الذي يأتي نتيجة لسماع الأخبار السيئة، يؤدي إلى: (أمراض جسدية ونفسية وسلوكية).

- أما أطفالنا- أحباب الله- فهم إذا لم يروا ويسمعوا الأخبار السيئة بأنفسهم ويتأثروا مثل غيرهم من الكبار؛ فهم سوف يتأثرون حتماً نتيجة لتصرفات وسلوك آبائهم وأمهاتهم بينهم البين؛ أو مع الأطفال.

- أخيراً.. فإن هناك تحذيرات من سماع الأخبار السيئة قبل النوم، وأنها سبب في بياض الشعر قبل أوانه، وأنها سبب في السمنة كذلك..!

- إذا أردت أن تنام وتغرق في أحلام سعيدة، وإذا أردت الرشاقة والجمال، وإذا أنت لا ترغب في شعر أبيض قبل أوانه؛ فلا تر أو تسمع ما يسيء..!!

- صوموا عن رؤية وسماع ما يسيء، تصحوا..

H.salmi@al-jazirah.com.sa

alsalmih@ymail.com

مقالات أخرى للكاتب