Monday 24/03/2014 Issue 15152 الأثنين 23 جمادى الأول 1435 العدد
24-03-2014

الإنصاف عدم تعميم الأحكام -2-

قبل البدء في الموضوع الأساس أود أن أذكر ما يأتي:

لقد نُشِر في صحيفة الحياة الغراء يوم الأحد (15-5-1435هـ الموافق 16-3-2014م)، أن الشيخ القرضاوي فاز بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام في عام 1414هـ.. والصحيح أن الشيخ القرضاوي لم يفز بالجائزة لخدمة الإسلام،

وإنما فاز ذلك العام بالجائزة في مجال الدراسات الإسلامية.. وهناك فرق بين مُتطلَّبات كُلٍّ من فرعي الجائزة للفوز بها.. وكان موضوع الجائزة للدراسات الإسلامية في العام المذكور: «الدراسات التي عُنيت بالفقه الإسلامي».. ولم يفز بها وحده، وإنما فاز بها بالاشتراك مع الشيخ السيد سابق.. وكان الشيخ القرضاوي قد رُشِّح للجائزة في خدمة الإسلام، عام 1406هـ/ 1986م فلم يفز بها.

ولما سبق فالمرجو من الجميع التأكُّد من دقة المعلومات التي تُنشَر للرأي العام.

أما بعد هذا التصحيح:

فإضافة إلى ما سبق ذكره فقد كثر في الآونة الأخيرة ترديد عبارة «الرأي الواحد».. وفي هذه العبارة تضمين يشير إلى دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي ناصرها قادة آل سعود وانتصروا بمناصرتهم إيَّاها.

عندما بدأ الشيخ محمد دعوته في منتصف القرن الثاني عشر الهجري - الثامن عشر الميلادي لم تكن منطقة نجد خالية من شوائب الشرك والبدع وإن كانت أَقلَّ سوءاً في هذا المجال من أكثر المناطق العربية والإسلامية.. بل إن بعض هذه المناطق لا تزال توجد فيها أشياء واضحة من تلك الشوائب. من ذلك ما تبرزه الكتب التي تكتب في بلدان وأقطار كثيرة، ومنها ما يمارس عياناً في تلك البلدان والأقطار.. ومع أن الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله، الذي كان سكرتيراً لحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وأن قادة هذه الجماعة - على العموم - لا يهتمون كُلَّ الاهتمام بالعقيدة، فإنه كان أميناً وصادقاً في حديثه عن الموضوع؛ إذ قال في كتابه عقيدة المسلم:

«إن هناك مسائل شائعة بين الجماهير الغفيرة من المسلمين لها دلالاتها الخطيرة على فساد التفكير وضلال الاتِّجاه واضطراب القصد.. وإن بريطانيا - في سبيل مكافحة الشيوعية - اهتمت بالحالة الدينية في مصر.. فكان مما طمأنها على إيمان المصريين أن ثلاثة ملايين مسلم زاروا ضريح أحمد البدوي بطنطا في عام واحد.. وحسبك من معرفة حالهم أنهم جاؤوا الضريح المذكور للوفاء بالنذور والابتهال والدعاء. ولمن النذور؟ ولمن الدعاء؟ إنه أول الأمر للسيد (أي صاحب الضريح). إن الواحد منهم تراه مُجدّاً في الذهاب إلى قبر من قبور الصالحين، لا ليدعو له، أو يرجو من الله أن يرحم ساكن هذا القبر؛ بل ليسأل صاحب القبر من حاجات الدنيا ما هو مضطر إليه.. ولقد ورد في الكتب الإسلامية الموثوقة أن النبيَّ، صَلَّى الله عليه وسَلَّم، أرسل علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وأمره أن يُسوِّي بالأرض كل قبر، وأن يهدم كُلَّ صنم.. فجعل الأضرحة العالية والأصنام المنصوبة سواء في الضلالة».

وموقف كموقف الغزالي مُؤيِّد لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مضمونه وُجِد عند علماء الأزهر لما اطَّلعوا على كتب ذلك الشيخ ورسائله كما ذكر الجبرتي، مؤرخ مصر، كما وُجِد عند الدكتور طه حسين.. لكن منذ ثلاث سنوات تقريباً عُقِد في الأزهر مؤتمر عَدَّ بعض المشاركين فيه أن الوهابية؛ أي دعوة الشيخ محمد، أكبر خطر على الإسلام والمسلمين. إن مصر أم العجائب.. وفي الآونة الأخيرة وصلت إلى مستوى حَتَّم على رئيسها أن يتَنحَّى عن الرئاسة؛ وذلك في ضوء ما سُمِّي بالربيع العربي، وسَمَّيته أنا بالهبَّات الشعبية.. وكنت قبل الهبَّة الشعبية في مصر بعام قد كتبت قصيدة من أبياتها:

أَوَما في الأُفْق سنا أملٍ

بربيع مُخضلٍّ أحضر؟

وجاء ذلك الربيع وإذا بمصر تصبح مستنقعاً ليس من السهل على مثلي الخوض فيه.

وإنه لمن المؤسف أن يوجد كُتَّاب من داخل وطننا - وإن كانت أعدادهم قليلة - من يَتَّهمون دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنها دعوة تكفيرية.. والثابت أن الذين بدأوا بتكفير الآخرين كانوا خصوم دعوة ذلك الشيخ. لقد كان في طليعة من عارضوا تلك الدعوة أناسٌ من أهل نجد.. ومن أشهر هؤلاء سليمان بن سُحَيْم من أهل الرياض، الذي كتب رسالة إلى العلماء خارج نجد يخبرهم بظهور الشيخ محمد في بلاده؛ مُستهلاًّ إيَّاها بقوله:

«الذي يحيط به علمكم أنه قد خرج في قطرنا رجلٌ مبتدع جاهل مُضلٌّ ضال من بضاعة العلم والتقوى عاطل. جرت منه أمور فظيعة وأحوال شنيعة. منها ما شاع وذاع وملأ الأسماع، وشيء لم يَتعدَّ أماكننا بعد».

وضمَّن تلك الرسالة مآخذه، أو مزاعمه، ضد الشيخ محمد.. ومن تلك المآخذ، أو المزاعم، اثنتا عشرة مسألة نفى الشيخ أنه نادى بها أو مارسها.. ولقد كتبت دراسة حول ذلك؛ عنوانها: موقف سليمان بن سُحَيْم من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.. وقد نُشِرت الدراسة في كتابي: بحوث وتعليقات في تاريخ المملكة العربية السعودية، ط2، الرياض، 1411هـ، ص ص 91 - 113.

ولقد ذكر المؤرخ الحجازي، أحمد بن زيني دحلان، المُتحمِّس ضد الشيخ محمد ودعوته، أنه في عام 1162هـ؛ أي بعد المبايعة التي تَمَّت في الدرعية بين الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب بخمس سنوات فقط، أصدر قاضي الشرع بمكة حكماً بكفر الشيخ محمد وأنصاره.. ونتيجة لذلك مُنِعوا من أداء الحج مدة خمسين عاماً متوالياً باستثناء عامين لسببين ليس المجال، هنا، مجال الحديث عنهما.

وهكذا يَتَّضح أن من يَدَّعون أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدأ بتكفير المسلمين لا يستند ادِّعاؤهم على أسس صحيحة.. ومن جهة أخرى فإنه كما أنه ليس من الإنصاف إذا أخطأ رجل أمن أو شرطي - مثلاً - أن يُؤاخَذ عموم رجال الأمن أو الشرطة فليس من الإنصاف أن يُؤاخَذ عموم رجال الحسبة؛ أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا أخطأ واحد منهم فقط.

مقالات أخرى للكاتب