Monday 24/03/2014 Issue 15152 الأثنين 23 جمادى الأول 1435 العدد

تفعيل الأداء الحكومي السعودي

د. جمعة حامد

إن اختراق واختزال الأنظمة والقوانين أصبح وسيلة يستخدمها الموظف الحكومي لتحقيق مآربه وأهدافه الشخصية، فالقوانين رغم كثرتها وشمولية العديد منها إلا أنه عادة ما يتم تجاوزها مما يجعلها غير ذات قيمة تُذكر.. وفي أحيان أخرى يختزل تطبيقها حسب طبيعة الشخص المستفيد ونوع العلاقة مما يجعلها مطرقة في يد الموظف يستخدمها كيفما يشاء ووفق المصالح التي يسعى لتحقيقها.. فالأنظمة والقوانين رغم أهميتها إلا أن إصدارها بحد ذاته لا يجب أن يكون الهدف النهائي، بل يفترض فيها تواؤمها مع طبيعة النشاط وإمكانية التطبيق ودرجة المرونة فيها وعدالة تطبيقها على الكل دون استثناء.

كما أن مرض الواسطة قد استشرى لدرجة أنه أصبح يُستخدم في كل مهمة حتى انسحب إلى الشركات التي تقدم خدمات تمثّل مصدر دخلها الوحيد.. فبعض الشركات الخاصة ما زالت تعيش بعقلية المؤسسات الحكومية، مما أعاق نموها مما يضطر الجميع للتعامل معها رغم الأصوات التي ترتفع استغاثة وصراخاً لتحسين خدماتها وتقليص استنزافها لجيوب المواطنين.. فرغم أن مسماها شركة إلا أن الطريقة الحكومية في التعامل ما زالت تسيطر على عقلية العديد من موظفيها حتى يساورك الشك بأن الشركة جهاز حكومي لا يختلف عن أي وزارة أخرى.

لقد أدى جمود رواتب بعض موظفي القطاع الحكومي لفترات طويلة وصعوبة الترقيات إلى نوع من الإحباط المستديم بين موظفي القطاع الحكومي، مما حدا بالكثير منهم إلى الاتجاه إلى طرق مصادر دخل بديلة للتعويض عن تضاؤل القيمة الفعلية للأجر.. فبالرغم من عدم تخفيض الرواتب إلا أن القيمة الفعلية للدخل قد تقلصت إلى ما يزيد عن النصف كنتيجة طبيعية للتضخم. كل هذه وغيرها من الأسباب شجعت العديد من موظفي الدولة لإيجاد بدائل للتعويض عن العجز على حساب أداء وأخلاقيات وظائفهم.. وإن كان بعض هذه البدائل مقبولاً أخلاقياً كالبحث عن مصدر دخل آخر، فإن بعضها غير أخلاقي البتة.

بالطبع يمكن حل كل هذه المعوقات من خلال الإخلاص للوطن قبل تحقيق مآرب الذات والصدق في التطبيق بعيداً عن مجاراة الأهواء، إلا أنه وبعيداً عن الخوض في مثل هذه الحلول فإننا نعتقد بأهمية تبني أساليب تحفيزية على مستوى جميع الأجهزة الحكومية من خلال إسداء هذه المهمة إلى جهة قادرة على اشتقاق المعايير وقادرة على التطبيق العادل دون مواراة.

وقد يكون من الملائم تبني منهج القياس والتقييم وفق بناء معايير واضحة للأداء المطلوب بشقيه المالي والإنتاجي (الأداء).. فقد يقول قائلٌ بأن وسائل تقييم الأداء موجودة في جميع الدوائر الحكومية، وقد نوافقه في ذلك إلا أن النتيجة أن الموظف لا يعرف مستوى أدائه الفعلي والحال كذلك مع المؤسسة الحكومية التي لا تعي مستوى أدائها الفعلي.. وهنا تبرز أهمية تبني إيجاد هيئة مستقلة ذات صلاحيات واسعة يركز هدفها على إيجاد وسائل لقياس الأداء وفق المعايير العالمية يتفق فيها مع كل جهاز حكومي بحيث يتم تقييم الجهاز على مستويين: الأول مستوى الإنتاجية والثاني الأداء المالي ودقته في وضع ميزانيته والتزامه ببنودها ما أمكن.. علماً بأن أياً من المستويين لن يستقيم ما لم ينطلق التقييم من الموظف أساس نجاح المنظمة بحيث يعرف كل موظف المطلوب منه ومستويات الأداء المتوقعة منه وكيفية تحقيقها. (تقييم كل ستة أشهر للموظف والمنظمة - تبين فيه مكامن الخلل والقصور) وفي نهاية السنة يتم إنهاء التقييم النهائي مع مناقشته تحت قبة مجلس الشورى وبحضور المسؤول الأول في الجهاز الحكومي أو شبه الحكومي للإجابة على جميع التساؤلات بحيث ينتهي النقاش إلى تحديد مدة معينة وأهداف واضحة للتصحيح يتم الالتزام بها ويتم التقييم التالي على أساسها ويفضل أن يكون النقاش منقولاً على أجهزة الإعلام المحلية ويسمح للمواطن بالمشاركة.

كما أن العنصر الآخر الذي يجب أن يشمله تقييم الجهاز هو المواطن (العميل) المستفيد من الخدمات التي يقدمها الجهاز، وبهذا نضمن توازناً عادلاً في تقييم كل جهاز.

كما يجب أن يشتمل التقييم على جزءين هامين: الأول: الكفايات الأساسية التي يجب على الجميع الالتزام بها كحسن التعامل مع عملاء الجهاز، والالتزام بأخلاقيات العمل وغيرها من الكفايات التي تميز المملكة عن غيرها.. الثاني: الكفايات والمعايير التي تميز كل جهاز عن غيره.. يجب ربط معايير الأداء بأهداف المنظمة والدور المنوط بها.. استناداً إلى النتائج التي تتمخض عن تقييم الأداء، يجب مكافأة الجهاز الذي كان أداؤه الأفضل على مستوى جميع الأجهزة الحكومية، ومكافأة موظفيه متميزي الأداء بحيث يتم تحريك المياه الراكدة ويكون هذا النهج دافعاً لجميع موظفي الأجهزة الحكومية في التنافس الشريف للارتقاء بأداء الجهاز وتقديم الخدمة الأمثل للعملاء.. مع الأخذ في الاعتبار تفعيل الحكومة الإلكترونية بحيث يصبح تقديم الخدمة إلكترونياً عاملاً ومعياراً من معايير تقييم الأداء.

وقد يكون الأسلوب الأمثل للمساهمة للخروج من هذه الأزمة هو استحداث جائزة تقديرية معنوية ومادية لأفضل موظف في القطاع الحكومي أداءً ونزاهة وإخلاصاً وتفانياً وأخرى لأفضل جهاز حكومي أداءً.