Wednesday 09/04/2014 Issue 15168 الاربعاء 09 جمادى الآخرة 1435 العدد
09-04-2014

رؤية: في فلسفة الأمن الوطني: (2/1)

لم تعد قوة الدولة اليوم تقاس بمدى حجم جيشها ومؤسساتها العسكرية والأمنية, أو حجم ميزانيات الأمن والدفاع. فقوة الدولة مستمدة ومتكاملة بين بقية عناصر القوى الوطنية الأخرى المادية والمعنوية.

وسوف نعرض في هذه المقالة لفلسفة مفاهيم الأمن الوطني..وكيف يتحقق عبر التخطيط المتوازن لعناصر قوة الدولة.

ونشير في البداية إلى أن مفهوم الأمن الوطني رغم أهميته يبدو خليطا من الواقعية والخيال؛ وتتبلور مكوناته في مرونة وحكمة سياسية، وقودها الموارد البشرية والقدرات الاقتصادية والكفاءة ألتكنولوجية والقاعدة الصناعية وتوفر الموارد الطبيعية؛ ومن البديهي أن تكون بينها القوة العسكرية؛ الحربية منها والأمنية. وتفهم مكونات تحقيق الأمن الوطني بأنها تلك القدرات الملموسة المادية منها والمعنوية القابلة للقياس الفعلي والمتمثلة في قوة الدولة وقدرتها على ردع المخاطر والتهديدات المتعددة ضد كافة مصالحها وسلامة مجتمعها, وضد ما يهدد نظام الدولة وحكومتها ودستورها وتماسكها؛ أو يشكل خطرا على سكانها في أي وقت.

ويعني مفهوم الأمني الوطني اشياء مختلفة بحسب رؤية الأشخاص وبحسب رؤية الحكومات للأمن الوطني. ولكن توفر حالة الأمن الوطني بمفهومه الشامل- الذي يتجاوز حدود الجريمة العامة - تعني ببساطة غياب التهديدات لمصالح الأمة وانعدام الخوف على استقرار الدولة.

ويرى البعض أن مصطلح الأمن الوطني من المصطلحات التي تعرف نفسها؛ وليس لها تعريف واحد أو محدد. ويعد الأمن الوطني من أبرز القضايا الفكرية التي لا تهدأ نقاشاتها في أروقة كليات الحرب وجامعات الدفاع.

وغاية مفهوم مكونات الأمن الوطني أن تحقق الحماية والسلامة والاستقرار للمجتمع وتدافع عن الدولة بكافة مقوماتها وحدودها وأسرارها وحقوقها. ونتيجة للعمل الوطني الاستراتيجي التكاملي المتقن في إدارة الدولة, فقد يتحقق الأمن الوطني بأعلى درجات الاستقرار والطمأنينة؛ وقد يكون عكس ذلك حين الإخلال بعناصر التخطيط. ويتضح لنا من فلسفة مفاهيم الأمن الوطني أنه يمكن أن يتحقق بدرجات مطمئنة دون الحاجة إلى شن الحرب. وكذلك يمكن أن يستعاد الأمن الوطني حينما تكون الدولة قادرة على شن الحرب متى اصبحت الحرب حتمية للذود عن مصالح الدولة وحقوقها. ولهذا فإن تحقيق الأمن الوطني يعني القدرة على الحفاظ على سلامة واستقرار كيان الدولة بكل مقوماتها ومجتمعها وحكومتها ومؤسساتها والحفاظ على علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع دول العالم بضمانات تعزز الأمن والرفاه الاجتماعي؛ وتمنع تعطيل نظامها، أو اختراق حدودها.

وتكتسب الثقة الوطنية والمصداقية في مؤسسات الدولة ذات العلاقة حينما يصبح الأمن الوطني أمرا واقعا بديمومة التوازن الموجه والملموس بين عناصر قوة الدولة في زمن الاستقرار والسلم عبر إدارة حكومية قادرة على ترتيب حساباتها وتصنيفها في رؤية وطنية تكاملية لا تترك فرصا لاستنزاف قواها والإخلال بأمنها الوطني تحت ظروف الاضطرابات المحلية والأزمات الإقليمية أو المتغيرات العالمية.

وقبل الدخول في عرض فكرة عناصر قوة الدولة وأهميتها للأمن الوطني, ولأننا نناقش مفاهيم القوة, فلا بد هنا من الإشارة إلى أن القدرة النارية والفاعلية الميدانية لقوى الجيش والأمن لا تقاس أيضا بحجم الميزانيات المدفوعة بل بمدى احترافيتها ومنافستها للجيوش المتقدمة في تنظيمها وتسليحها وقيادتها ومدرستها الحربية والأمنية وفعالياتها الميدانية وما بين قطاعاتها من قدرات على تنظيم التعاون في المناورة بين كافة الأسلحة والقطاعات في البر والجو والبحر وفي عمليات المدن مع توفر كافة القوى المتخصصة وكافة وسائل ووسائط الاتصالات والقيادة والسيطرة.

ونؤكد هنا أن زيادة أعداد الجنود أو تراكم العتاد الحربي لا تكفي ليصبح الجيش قويا. فهاهو الجيش البريطاني لا يعتبر من الجيوش الكبيرة في عدد قواه البشرية؛ غير أن بريطانيا تعتبر دولة عظمى لتعدد عناصر قوتها. وكذلك كانت جيوش صدام حسين (1991م) تناهز الأربعة ملايين في عددها وعدتها ولكنها هزمت هزيمة نكراء في معركة «أم الهزائم» من قوات لا تزيد أعدادها عن نصف المليون جندي مع ما حظيت به قوات صدام حسين حينئذ من ميزات نوعية مضافة إلى أعدادها. فعندما نفكر في عنصر القوة العسكرية من منظور تسخير هذه القوة لخدمة أهداف وطنية عليا, فإن علينا أن ندرك ان القوة العسكرية تتضاعف بقدرة المخططين في الدولة على تعزيز القوة العسكرية بمعطيات وطنية وعناصر قوة أخرى نعرض لها باختصار في هذه المقالة.

ونظراً للتحولات العالمية والإقليمية والمحلية بشكل غير مسبوق وفي شتى مناحي الحياة فإن المستقبل يحتاج إلى تخطيط استراتيجي وطني يراعي مكتسبات البلاد. فلكل دولة تجارب معتبرة إيجابية وسلبية؛ تمكنها من تحويل مصادر قوة الدولة إلى عناصر قوة حقيقية مكملة ومعززة لبعضها البعض, بما يلائم التحديات والمعطيات في البيئة السياسية والاجتماعية الدولية الحديثة.

ولتحقيق القوة الفاعلة والمعتبرة للدولة بالمفهوم الراهن للقوة نشير إلى حتمية التكامل بين العناصر الأربعة للقوة الوطنية لتعزز بعضها حين يحسن استخدامها: (الدبلوماسية، المعلوماتية، العسكرية، والاقتصادية). كما نؤكد على أهمية أدوار المخططين الاستراتيجيين من كل التخصصات ذات العلاقة بعناصر القوة الوطنية في التخطيط الاستراتيجي الوطني الشامل لغرض تنمية البلاد واستقرارها. فالتكامل بين عناصر قوة الدولة من ناحية وكفاءة المخططين من ناحية أخرى يعتبر من أهم مقومات وضوح الرؤى الاستراتيجية للأمن الوطني بمفهومه الشامل. فعدم التخطيط والتنفيذ على المستوى الاستراتيجي الوطني من منطلق إطار محدد وموجه توجيها مفهوما يصبح مرشدا عاما ومعتمدا كإطار تنسيق وعمل وطني سوف يفتح مجالا واسعا لاستمرار الاجتهادات والمبادرات المتنوعة والمتنافرة أحيانا, وستتم بعثرة الجهود أو تكرار الإنفاق دون رؤية مرشدة ومخطط لها.

ولذلك, فإن الحكومة عند لجوئها للعمل السياسي لمواجهة أي أزمة أو تحقيق أية أهداف وطنية عليا من المفترض أن تعمل على تضافر القوى الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والمعلوماتية بحسب ما تقتضيه المواقف لتعزز تلك القوى بعضها البعض. ولا يتحقق ذلك النوع من التكامل في التخطيط بسهولة؛ ولا يعد عملا يسيرا يتحقق بمجرد التمني. فهذا النوع من التكامل في التخطيط الوطني لا بد أن يصبح منهج عمل دائم له قواعده وإجراءاته ويدخل في إطار المستويات الاستراتيجية العليا ينهض به رجال الدولة القادرين على التخطيط الاستراتيجي لحصر وتصنيف وتحديد مصادر القوة الوطنية. ولهذا التكامل والتنسيق الوطني اسس مهمة ومقاييس يسير عليها لا بد من جدولتها ووضعها في أولويات لضمان سهولة استخدامها لمضاعفة معطيات القوى الوطنية الأخرى لتنمية البلاد وحمايتها وتعزيز استقرارها بمضاعفة التأثير الإيجابي لكل من تلك القوى الوطنية من خلال تسخير كل عنصر من عناصر القوة الأربعة لصالح عناصر القوى الوطنية الأخرى بالتخطيط والترشيد الحكيم.

وفي الجزء الثاني من هذه المقالة نعرض لمفهوم عناصر قوة الدولة الأربعة وكيف تعزز بعضها.

mabosak@yahoo.com

* عضو مجلس الشورى

مقالات أخرى للكاتب