Monday 21/04/2014 Issue 15180 الأثنين 21 جمادى الآخرة 1435 العدد
21-04-2014

كورونا الإبل وجنون البقر وسوسة النخيل

الحياة في الصحراء، باختصار، نخلة وناقة وسط محيط قاتل من الجفاف والرمال. الإنسان الذي يعيش في هذا الوسط البيئي تربطه علاقة حياة أو موت بهذين الكائنين النبيلين، علاقة مصلحة من الدرجة القصوى ترتبت عليها علاقة حب وامتنان. النخلة والناقة في نظري من أنبل الكائنات، لأنها بقيت مع إنسان الصحراء عندما غاض عنها الماء واختفت منها النباتات وهاجر التين والزيتون والرمان والعنب إلى المرتفعات الباردة أو بؤر المياه النادرة في الأماكن الخبيئة وسط تلال الرمال. جميع المحاصيل المستزرعة بشريا لا تنمو في الصحراء إلا بشرط توفر المياه الكافية، وكذلك الحيوانات المستدجنة تحتاج إلى الارتواء بالماء ولو لمرة واحدة في اليوم، ماعدا النخلة والناقة. أستبق القارئ بملاحظة إهمالي للذكور من النخيل والإبل، لأنها لا تثمر رطبا ولا تدر حليبا، رغم فوائدها الأخرى التي تتشارك فيها مع الإناث من أجناسها، ولكن الحياة المنجبة والمثمرة أنثى.

كونت كإنسان صحراوي عاطفتي الخاصة في الاختيار بين النخلة والناقة، واخترت النخلة لأنها تقيم حيث يقيم الاستقرار والتحضر، وتمد الناس بالكثير من مقومات الحياة الحضرية، الغذاء والظل والسكن والفراش والوقود للطبخ والاستدفاء.

لا شك في صلاحية الناقة لحياة المدر، وأتوقع أن العاطفة عند أبناء البادية أكثر انجذابا نحو الإبل منها نحو النخيل، ولكل امرئ من أمره ما تعود العيش عليه ومعه. لذلك لا أفهم كيف تباع ناقة واحدة وتشترى بعشرات الملايين من الريالات، بينما لا يكلف بستان ضخم فخم من النخيل عشر هذا المبلغ. أرى في الأمر خلطا لا عقلانيا وغمطا شديد الظلم تجاه قيمة النخلة المادية والمعنوية، ولكن وراء السنام ما وراءه.

أدخل الآن إلى صلب الموضوع.

عندما تصاب النخلة بداء السوسة الحمراء، هناك احتملان للتصرف: إما رشها وتعفيرها بالمبيدات مع كل النخيل المجاورة، أو اقتلاعها وإحراقها مع النخل المجاور لها عن قرب. إذن اتخاذ القرار المصيري تجاه أمنا النخلة سليلة الحسب والنسب سهل، لكن ماذا عن الناقة إذا أصيبت بوباء يهدد البشر، ولنقل فيروس كورونا على سبيل المثال؟.

قبل سنوات تم قتل وإحراق ملايين الأبقار في أوروبا بسبب الخوف من جنون البقر، مع سن وتنظيم قوانين صارمة لمنع تلويث الأعلاف بمصادر غذائية حيوانية، وهكذا تم بنجاح القضاء على مرض جنون البقر.

حاليا ومنذ ثلاث سنوات، بدأ فيروس كورونا ينتشر في الجزيرة العربية، في البداية ببطء ثم أخذ يتسارع. البداية كانت من شرق الجزيرة من قطر والإمارات والهفوف. أول حالتي وفاة لفيروس كورونا سجلتا في أوروبا، وكانتا لمريض من قطر وآخر من الإمارات، وكلاهما كان لديه احتكاك بحظائر الإبل. بعد ذلك جاءت الإصابات المتعددة في الهفوف ومناطق أخرى من الشرقية، ثم في الوسطى، والآن وصلت للمنطقة الغربية. في علم الطب لا يقال للمرض وباء مادام محصورا في بقعة صغيرة وأعداد الكميات قليلة، وعند قفزه إلى أماكن أخرى وبأعداد أكبر يسمى طبيا Endemic، بمعنى الانتشار المحلي المحدود، لكن عندما ينتشر في عدة مناطق بينها فواصل جغرافية متباعدة نسبيا يسمى Epidemic، بمعنى انتشار وبائي، ثم يسمى Pandemic، عندما يتوسع جغرافيا ويتكاثف عدديا. هنا يصبح من أولى الأولويات تحديد الحامل والناقل أو الحوامل والنواقل للمرض عبر المسافات الجغرافية الشاسعة.

علاقة الإبل، كناقل لفيروس كورونا ليست فقط محتملة بل ومؤكدة.

الإبل الحاملة للفيروس (حسب المعطيات العلمية الدقيقة المبرهنة حاليا) هي الخزان الرئيسي لفيروس كورونا، ويجب التعامل الوقائي الحازم والمسؤول إلى أقصى درجات المسؤولية مع هذه الحقيقة، لحماية البلاد والعباد والثروة الحيوانية.

للأسف الشديد الذي لا نملك غيره، لدينا في الأوساط الطبية معتوهون من أدعياء البحث العلمي، يدعون امتلاكهم لقاحا ضد فيروس كورونا، مما يدل على جهلهم الجزئي أو الكلي بحتمية امتلاكهم شخصيا للفيروس في حواضن تقع تحت تصرفهم بطريقة مأمونة في مختبرات مرخصة للبحث العلمي وتخضع للمراقبة، وكذلك امتلاكهم لإمكانية التسلسل العلمي المأمون في تقنيات إضعافها أو إماتتها، ثم امتلاك المواصفات المأمونة لإجراء التجارب البيولوجية على الحيوانات، ثم استخلاص المضادات الناتجة وتنقيتها إلى أقصى درجات النقاء، ثم القيام بالتجارب اللازمة عددا ونوعا على كميات كافية من حيوانات التجارب لاختبار فعالية وسلامة اللقاحات قبل تطبيقها على البشر، ثم الحصول على ترخيص محلي وعالمي مدعم بالأرقام والبراهين على الفعالية وانتفاء الأضرار، هذا عدا إلزامهم بتقديم التفاصيل العلمية لخصائص الطعم واللقاحات الإيجابية والسلبية.

هؤلاء الأدعياء أخطر كثيرا من تجار الطب الشعبي الذين يصرخون في كل مكان ناصحين بالإكثار من أكل الثوم وبعض الخلطات الشعبية للوقاية والعلاج من فيروس كورونا. بالمناسبة، لم يثبت علميا ولا مرة واحدة أن للثوم خصائص قاتلة للفيروسات، ولا حتى فيروس الزكام الموسمي. أعاننا الله على روائح المستهلكين للكميات الكبيرة من الثوم.

الخلاصة: على جميع السلطات المسؤولة أن تتصرف بهمة واحترافية، ليس بمنهجية التخلص من جنون البقر على الطريقة الأوروبية ولا بطريقة اجتثاث النخيل المصابة بالسوسة الحمراء، ولكن بطريقة التعامل العلمي المنهجي مع الأوبئة، أي: الإحصاء المسحي الميداني لتحديد النسبة الحقيقية لانتشار فيروس كورونا في الثروة الحيوانية الوطنية، وتأمين وسائل التوعية والوقاية للسكان المخالطين حسب جغرافيا الانتشار الحيواني للفيروس وتجنيد الطاقات المالية والعلمية المحلية والعالمية للحصول سريعا على اللقاحات والطعوم اللازمة.

- الرياض

مقالات أخرى للكاتب