Tuesday 22/04/2014 Issue 15181 الثلاثاء 22 جمادى الآخرة 1435 العدد
22-04-2014

الإخوان واختلاف الأمس عن اليوم

كنت أتحدث مع صديق حول مشكلة حوار التيارات المتأسلمة الثورجية، حيث لا قيمة للإنسان في معاييرهم، حتى أن أحد رموزهم أظهر ذلك ولم يبال حين قال علناً معلقاً على أحداث العنف في مصر: (وش فيها لو قتل مليون أو مليونين من المصريين، طالما أن الهدف أن يحكم الإسلام)، فهم ولا أحد غيرهم، من يمثلون الإسلام.

قال صاحبي: (هم بهذه المواقف ينكشفون، فالذي يهمه تحرير الشعوب كما يدعون، يهمهم سلامة واستقرار هذه الشعوب؛ وعندما يصبح (القتل) والدماء والتدمير وهز الاستقرار ونسف الأمن هو الطريق نحو تحرير الشعوب، فأول من سوف يقف ضدك الشعوب نفسها؛ وهذا ما يحصل وما زال يحصل في مصر الآن.

وهذا صحيح. ولعل انتشار التذمر الشعبي الواسع مما أقدمت عليه جماعة الإخوان المصرية تحت ما يسمى (الربيع العربي) يؤكد أن الشعوب التي كان مُغررا بها في السابق وعَت وتنبّـهت وأدركت أن هؤلاء لا يهمهم الإسلام بقدر ما يهمهم أن يحكموا بأية طريقة، وفي سبيل هذه الغاية فإن الوسيلة أيا كانت - (بما فيها الدماء) - تعتبر في معاييرهم مشروعة.

كثيرون يقولون إن جماعة الإخوان تحظى بمساندة شعبية واسعة، وأنها تعرضت في تاريخها إلى أنواع مختلفة من الإقصاء السياسي، وفي أول تجربة ديمقراطية في مصر نجحت، ووصلت إلى السلطة؛ لذلك فهم لا يرون من السهولة بمكان إضعافها، فالسجون والمعتقلات خلقت منها تنظيماً سياسياً قويا قادراً على مواجهة محاولات الأنظمة لتهميشها؛ فالشعوب تتعاطف مع المقموعين.

قد يكون هذا الكلام دقيقاً في السابق، أما الآن فالأوضاع اختلفت اختلافاً جذرياً.

صحيح أن عبدالناصر تنبه إلى خطورتهم مبكراً، وحاول بقوة اجتثاثهم، لكنه فشل. ولا يمكن أن نفهم الأسباب والبواعث التي أدت إلى فشله إلا إذا فهمنا الحالة الإخوانية في مصر فهما موضوعياً.

جماعة الإخوان، بأغلب قياداتهم، انتقلت إلى المملكة والخليج، وهذه المنطقة تعتبر منطقة محافظة، ويحظى فيها التدين واللغة الدينية بتقدير واسع عند أغلب الطبقات، لذلك وجدت جماعة الإخوان في هجرتها إلى هذه المنطقة (حضناً) دفئاً لم يحمها من ملاحقة أجهزة عبدالناصر الأمنية فحسب، وإنما قدم لها قوة مالية ضخمة، وأعطاها القدرة على الحركة والتمدد عالمياً، ما جعلها أقوى مما كانت عليه قبل هروبها من مصر إلى خارجها. وعندما خلف السادات عبدالناصر، وأخرج القيادات الإخوانية من المعتقلات، وتركها تعمل في مواجهة مراكز القوى المناوئة له، كانت أموال جماعة الإخوان وعلاقتها بأهل الخليج سانداً رئيساً لإعادة قوتها إلى النسيج الاجتماعي المصري، وهذا موثق ومكتوب ضمن تاريخ الحركة.

الآن اختلف الوضع تماماً. فالجماعة ليست ملاحقة في مصر فحسب كما كانت في العصر الناصري، وإنما هي محظورة وملاحقة في الحضن الخليجي - أيضاً - الذي كان قد حماها وأيدها ومولها إبان عهد عبدالناصر؛ حتى أن إحدى الدول الخليجية عندما حاولت أن تحتضن بعض قيادات الجماعة الهاربة مؤخراً من مصر، واجهت رفضاً إقليميا قوياً وحازماً وحاسماً لم تستطع مقاومته، فأذعنت للتخلص منهم.

أضف إلى ذلك أن ما يُسمى بالربيع العربي، وحالة اللا استقرار والإرهاب والقتل والدماء التي نتجت عنه، قد التصقت التصاقاً حميمياً بالجماعة، وزاد الطين بللاً أن الجماعة في مصر ارتكبت خطأ شنيعاً سيكون له تبعات عميقة على مستقبل الجماعة وانتشارها؛ فعندما فشلت الجماعة في حكمها لمصر فشلاً سياسيا واقتصادياً ذريعاً، وخرجت الملايين تطالب برحيلها، ونفذ الجيش ما طالبت به الجماهير، لم ترضخ الجماعة للأمر الواقع، وتعترف به، وتتعامل مع مطالبات الجماهير وتدخل الجيش بموضوعية، وتعيد تصحيح نفسها، وإنما لجأت إلى الإرهاب والقتل والاغتيالات والسيارات المفخخة، وهذا بلا شك قد جعل من انخدعوا بها وبأنها (حركة سلمية) أو (مدنية) يعودون ليصبحوا من أشد مناوئيها.

بقي أن أقول إذا استطاع السيسي المتوقع نجاحه في الانتخابات الرئاسية القادمة في مصر أن يقدم مشروعاً تنمويا من شأنه إخراج مصر من عثراتها التنموية ومشاكلها، ويُحاصر الفساد بحزم، فإن جماعة الإخوان ومعها الجماعات التي خرجت من تحت عباءتها ستنتقل حتماً من الجغرافيا إلى التاريخ، وفشل السيسي يعني أن هذه الجماعات ستعود ثانية؛ ففشل الدول التنموي هو البيئة المناسبة لهذه الحركات المتأسلمة لكي تعيش وتنتشر وتتمكن كما علمنا التاريخ.

إلى اللقاء..

مقالات أخرى للكاتب