Saturday 26/04/2014 Issue 15185 السبت 26 جمادى الآخرة 1435 العدد
26-04-2014

الأرقام لها الفصل: الدكتوراه أم الماجستير؟

كثر التساؤل عما هو الأفضل للمستقبل المهني للشاب والشابة، أهو متابعة الدراسة حتى تحصيل درجة الدكتوراه ام الاكتفاء بالماجستير. وانا أتعرض لهذا السؤال بشكل يومي تقريبا. ومن خلال مناقشاتي لكثير منهم، أجد كثيرا من المعلومات والفرضيات الخاطئة، ومقترنة بنظرة ضيقة سطحية، تركز على الحالات النادرة وتتجاهل النظرة النسبية - أي واحد من عشرة، أكثر من ألف من مليون-. هذه النظرة السطحية المتجاهلة للفرص والاحتماليات، تؤدي للوصول إلى النتيجة الخاطئة: وهي تخلي الطالب المؤهل والقادر عن تحصيل الدكتوراه والاكتفاء بالماجستير، هو أجدى وأنفع للمستقبل الوظيفي او المهني.

وما دفعني لكتابة هذا المقال ليس الطلبة الذين يسألوني ولا توجد لديهم الهمة أو المقدرة أو الرغبة في تحصيل الدكتوراه، وإنما يسألوني من أجل إرضاء أنفسهم ودفع اللوم عن أنفسهم، بتجيير مسئولية تبعات هذا القرار مستقبلا على الغير. وإنما دفعني للكتابة هم الطلبة الذين لهم رغبة صادقة وهمة عالية ومقدرة علمية لتحصيل الدكتوراه، ولكن أثبطهم وشكك في صحة قراراتهم كثرة ما يدور حولهم من التزهيد في الدكتوراه، وحثهم على التوظف وعدم إضاعة الوقت في الدكتوراه.

وابتداءً، فإن هذه الفكرة السلبية المهيمنة، تدور حجتها حول الاعتقاد بأن الدكتوراه مهنة بحثية وأنها تمنع من المراكز الإدارية العليا، ويستشهدون بأن غالب القياديين والمدراء التنفيذيين لا يحملون شهادة الدكتوراه.

و معلومة كونها بحثية، هي معلومة فُهمت بالمقلوب. وأما معلومة أن أكثر القياديين من غيرهم فهي خاطئة إحصائيا. وقلب المفهوم نعدله في المقال القادم، أما اليوم فللأرقام.

(وغالب ما استشهد به من إحصاءات يكون من أمريكا، لكون الإحصاءات متوفرة عندهم وبأشكال متنوعة ودقيقة ومن المصادر الرسمية، وميسر الوصول إليها. وتشمل كل شيء تقريبا بشكل يثير العجب، وإن كان لا ينبغي أن يكون هذا عجبا، فالمعلومة من أقوى الأسلحة وأساس معطيات اي خطة او ابداع وهي طاردة الأساطير والأوهام والأكاذيب).

فالأرقام تؤكد لنا أن غالب القياديين في العالم هم من حملة الدكتوراه، ولندع الأرقام تتحدث، فمن مكتب الإحصاءات الأمريكي، فإن قيادات أغنى وأقوى وأنجح 500 شركة يقودها 500 مدير تنفيذي منهم 75 يحملون شهادة الدكتوراه، مقابل 37 فقط من حملة الماجستير. ولا يصلح ان نقف هنا، فالوقوف هنا تسطيح وقصور لا يأتي بنتيجة كاملة إذا تجاهلنا النظرة النسبية، بل وقد يأتي بنتيجة خاطئة لو صادف ان عدد حملة الماجستير أكثر. وبحساب النسبة، سنجد أن من أصل ستة عشر ونصف مليون أمريكي يحملون درجة الماجستير، وصل سبعة وثلاثون منهم إلى قيادة اعظم 500 شركة. وهذا بالمقارنة مع ستة ملايين ومائتي ألف أمريكي يحملون الدكتوراه، وصل منهم خمسة وسبعون لقيادة هذه الشركات. وباعتبار الأعداد السابقة ، فهذا يعني أن فرص وصول من يحمل الدكتوراه لقيادات الشركات الكبرى تبلغ عشرة أضعاف فرص من يحمل الماجستير فقط.

وباعتبار النسبة والتناسب كذلك، فسنجد ان حتى نسبة أساتذة الجامعات الذين كرسوا حياتهم كلها في المعامل والبحوث، هي الأعلى في تبوؤ أعلى المناصب القيادية. ففي شاهد متطرف جدا، فإن وزير الطاقة الأمريكي في فترة أوباما الاولى هو أستاذ جامعي في الفيزياء عاش حياته كلها في المعامل والأبحاث حتى حصل على جائزة نوبل في الفيزياء. وما وعى وهو في المعمل غارق في أبحاثه، إلا بأوباما يطلبه لقيادة وزارة من اهم الوزارت لأعظم دولة منتجة ومستهلكة للطاقة، وذلك في فترة تأسيسية مستقبلية حرجة، يُتوقع فيها وضع أساسات ثورة جديدة لمنتجات الطاقة، (وتأمل هذا الموقف بالكاد يختزل في مقال لوحده).

وعموما فكل من يعمل مع أوباما هم من حملة الدكتوراه، ومن وزرائه كرئيس الدفاع والخارجية سابقا هيلاري كلينتون، وهذا مجرد مثال، وإلا فالغالب على جميع حكومات العالم سيطرة حملة الدكتوراه على الحقائب الوزارية، بشكل ساحق.

وبالنظرة النسبية، فإذا نظرنا إلى المناصب الرئاسية فكثير من زعماء العالم يحملون شهادة الدكتوراه، ومن اشهرهم وأنجحهم أكاديميا وبحثيا المستشارة الألمانية البروفوسورة في الفيزياء. وهناك رئيسا أعظم دولتين صاعدتين في العالم، يحملان شهادة الدكتوراه في اهم مجالات التنمية، هما رئيس الوزراء الهندي ويحمل دكتوراه في الاقتصاد من كامبرج، والرئيس الصيني ويحمل شهادة الدكتوراه في القانون من ارقى جامعة في الصين، بعد أن كان تخرج منها من قبل بشهادة الهندسة الكيميائية. وهناك الرؤساء التركي والكرواتي والبلغاري واليوناني.. واللائحة تطول.

فلو تأملنا في النسب وفرص الاحتمالات، فكم نسبة حملة الماجستير الذين وصلوا لمناصب رئاسية من عموم حملة الماجستير مقارنة بنسبة حملة الدكتوراه الذين وصلوا إلى سدة الرئاسة من عموم حملة الدكتوراه.

فالفرق واضح بأن احتمالية الفرص أعلى وأكبر بكثير لصالح حملة الدكتوراه. ولو نظرنا إلى الرؤساء الأمريكيين، فسنجد أن من اصل 43 رئيساً أمريكياً، ستة عشر منهم يحملون الدكتوراه أو قارب على تحصيلها ولكن أشغلته الحرب او نحوه.

وأما العوائد المالية، فالأرقام الامريكية تبين ان متوسط الدخل الشهري في أمريكا هو 11.972 دولار لحملة الدكتوراه، وتشمل الدكتوراه المهنية كالطب والمحاماة، وذلك مقابل 6.700 دولار شهريا لحملة الماجستير، أي الضعف. وكذلك هي معلومات البطالة في أمريكا، نجدها ببون شاسع في صالح حملة الدكتوراه.

وفي المقال القادم حديث ذو شجون، سأوضح لك فيه يابني ويا بُنيتي: لم يزهدونك في الدكتوراه. فيا بني ويا بنيتي، لا تكن ضحية التثبيط وكره النجاح وأُذن تسمع لكل من يردد ما لا يفهم ولا يعلم.

فباستثناء الحظ والمحسوبيات، فإن الذكي ترفعه الدكتوراه كالبراق، وبليد الفهم تنفعه الدكتوراه فتسنده فتجعله مع الناس، وأما الدكتور البليد الفهم والمثابر فهذا هو مطية المثبطين ومصدر شواهد الساخرين، فلا تجعله قياساً لك، فهذا قياس باطل.

hamzaalsalem@gmail.com

تويتر@hamzaalsalem

مقالات أخرى للكاتب