Saturday 26/04/2014 Issue 15185 السبت 26 جمادى الآخرة 1435 العدد

ارتفاع التصنيف الائتماني للمملكة .. الأسباب والتداعيات

موضعة جديدة للاقتصاد السعودي .. وتفوق على تصنيفات اليابان والصين

الجزيرة - وحدة التقارير والأبحاث الاقتصادية:

فاجأت المملكة العربية السعودية العالم بحصولها على تصنيف ائتماني مرتفع من وكالة فيتش ريتنجز العالمية للتصنيف الائتماني خلال مارس الماضي في تصنيفها للديون السيادية الطويلة الأجل للسعودية بالعملتين المحلية والأجنبية إلى (AA) من (AA-) مع نظرة مستقبلية مستقرة.. كما رفعت فيتش أيضا تصنيفها للسقف الائتماني للمملكة إلى (AA+) وثبتت تصنيفها للدين السيادي القصير الأجل بالعملة الأجنبية عند (F1+).. ورغم أن البعض يعتبر أن هذا التصنيف الجديد للمملكة يعتبر بمثابة المفاجأة، إلا أن المتابع والمدقق في تطورات الوضع الاقتصادي للمملكة ليدرك أن رفع هذا التصنيف يعتبر أمرا طبيعيا في ظل التطورات الاقتصادية الإيجابية في المؤشرات الاقتصادية الرئيسية بالمملكة.

المفاجأة الحقيقية هي تصريح الوكالة بأن المملكة تستحوذ حاليا على أقوى موقف مالي دائن بين الدول الخاضعة لتصنيف الوكالة كافة، بما فيها الدول المتقدمة كافة.

ومن قبلها أعلنت وكالة ستاندرد آند بور (SالجزيرةP) العالمية للتصنيف الائتماني في مايو من العام الماضي عن رفعها أيضا للوضع المستقبلي للتصنيف السيادي للمملكة من مستقر (Stable) إلى ايجابي (Positive) عند نفس الدرجة (- AA).

وإذ نسعى في هذا التقرير لرصد المسببات الرئيسية لرفع هذا التصنيف، ثم السعي للتنبؤ بتداعياتها الإيجابية المستقبلية.

ما هي التصنيفات الائتمانية..

لقد انتشرت أهمية الكثير من وكالات التصنيف الائتماني للدول والشركات حول العالم، ولكن زاد التركيز على ثلاثة أمريكية منها بشكل كبير، وهي «ستاندرد آند بورز»، و»موديز» و»فيتش»، بجانب واحدة صينية، وهي داغونغ.

وتسعى هذه الوكالات إلى تقييم المخاطر المتعلقة بالسندات سواء للشركات أو للدول.

وتعتبر قدرة الدولة أو الشركة على سداد فوائد ديونها والأقساط المترتبة عليها أهم معايير القدرة أو التصنيف الائتماني الجيد أو المقبول، الذي بناء عليه يتم تصنيفها كوضع سلبي أو مستقر أو إيجابي وفي كل حالة حسب درجة معينة معطاة للدولة أو الشركة. وتستعمل وكالات التصنيف رموزا لوصف التصنيف الائتماني تبدأ من D إلى AAAكأعلى تصنيف ائتماني.

ستاندرد آند بورز: تعتبر السندات من الدرجة الاستثمارية إذا كان تصنيفها الائتماني لستاندرد آند بورز من -BBB أو أعلى.

أما السندات ذات التصنيف +BB وأقل فهي من درجات المضاربة، وأحيانا يشار لها أيضا بأنها سندات «لا معنى لها.

فيتش: تعتبر السندات المالية درجة استثمارية إذا كان تصنيفها الائتماني BBB- فما فوق.

أما السندات التي يكون تصنيفها BB+ فما دون، فتعتبر ذات درجة مضاربة.

موديز: تعتبر السندات المالية درجة استثمارية إذا كان تصنيفها الائتماني Baa3 فما فوق.

أما السندات التي يكون تصنيفهاBa1 فما دون، فتعتبر ذات درجة مضاربة، وأحيانا يشار إليها سندات غير هامة «junk».

داغونغ: داغونغ هي وكالة تصنيف مقرها بكين، وهي الوكالة غير الأمريكية الوحيدة التي اكتسبت بعض الاعتراف من الإعلام الغربي المختص بالشؤون المالية.

أسباب رفع التصنيف الائتماني للمملكة:

البداية الحقيقية لتحسن التصنيف الائتماني للمملكة بدأت منذ فترة طويلة، ربما منذ عقدين من الزمان، إلا إن الترقي والطفرة في تصنيفها حدث خلال الخمس سنوات الأخيرة بشكل مثير، وخاصة منذ عام 2008م، وهي عام الأزمة المالية العالمية الأكبر على المستوى العالمي.. ففي الوقت الذي كانت تئن فيه غالبية دول العالم، وخاصة من الدول المتقدمة والصناعية الكبرى من ويلات هذه الأزمة، فقد برز الاقتصاد السعودي كأحد أقوى الاقتصاديات الذي يمتلك القدرة والسيولة المالية لمساعدة الاقتصاد العالمي ككل..

ويمكن استعراض أهم مسببات رفع التصنيف الائتماني للمملكة بناء على وجهات نظر أطراف متعددة من المراقبين، وذلك على النحو التالي:

1) ترجع هذه القدرة إلى الفوائض المالية الناجمة عن الارتفاع القوي في الأسعار العالمية للنفط منذ هذه الفترة.. وقد برزت لأول مرة مقدرة الاقتصاد السعودي على التعامل مع هذه الفوائض واستيعابها في مشاريع تنموية حقيقية بعيدا عن مجالات الضخ الاستهلاكي.

2) تحقيق المملكة لفائض مالي كبير وملحوظ خلال السنوات الثلاثة الأخيرة في ميزانيتها الحكومية.

3) احتفاظ المملكة بودائع مصرفية تناهز قيمة (55 في المائة) من الناتج الإجمالي المحلي، في شكل احتياطيات مالية حاضرة (بقيمة تصل إلى 2.8 تريليون ريال)، تعطيها الأمان ضد الأزمات التي باتت إحدى سمات العصر الاقتصادي الحديث.

4) الاستقرار السياسي، وعدم وجود عداوات في المحيط الإقليمي، واستبعاد احتمالات الأعمال العسكرية.

5) ضعف وضآلة حجم الدين الداخلي ليصل إلى قيمة تناهز 75 .1 مليار ريال في نهاية 2013م، بما يمثل نسبة تناهز 2.7 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

6) المملكة تعتبر من الدول القليلة التي ليس عليها ديون سيادية لدول خارجية.

7) المجهودات الحثيثة التي تبذلها الدولة لمعالجة مشكلة بطالة الشباب السعودي، وخاصة التي تقودها وزارة العمل، والتي أدت مؤخرا إلى تصميم سوق العمل من الكثير من السلبيات، التي ساعدت في أحداث طفرة خلال عام 2013م في توظيف نسبة كبيرة من السعودية خلال فترة قصيرة.

8) المجهودات الحثيثة التي تبذلها الدولة لمعالجة مشكلة الإسكان، التي تمخضت مؤخرا عن ترسيخ برنامج عملي تطبيقي لتقديم حلول سكنية لأول مرة للشباب السعودي.

9) ضخ برنامج الرهن العقاري كآلية حديثة لتمويل وتقديم تسهيلات للسعوديين للحصول على المسكن المناسب، بشكل ساعد في تقوية حالة الاستقرار الداخلي.

10) التحسن الكبير الذي يحققه الاقتصاد السعودي في قيمة الإيرادات غير النفطية، فقد ارتفعت من مستوى 66.2 مليار ريال في عام 2010م إلى نحو 113.1 مليار ريال في عام 2013م.. ولنعلم أن هذه الإيرادات تفوق قيمة الإيرادات الحكومية في ميزانيات كثير من الدول العربية.. الأمر الذي أعطى زخما جديدا للاقتصاد السعودي ليخرج عن عباءة المورد الوحيد للنفط، فهذه الإيرادات تثبت حالة من التنوع الاقتصادي اللامتوقع منذ عقد من الزمان.

11) أما الأمر الأكثر أهمية، فهو الاستقرار غير المتوقع أيضا للأسعار العالمية للنفط فوق مستوى ال100 دولار خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بشكل رسخ سقف جديد لها، تقل احتمالات نزولها عنه مستقبلا. الأمر الذي جعل مستوى الإيرادات النفطية الحالية متوقع استمرارها لفترة طويلة مقبلة.

التداعيات الإيجابية لرفع التصنيف الإيجابي للمملكة..

هذا التصنيف ليس منهجا علميا ولكنه يرسخ واقعا اقتصاديا وماليا، يصب في بوتقة النهضة الشاملة التي التي تستهدف رفاهية المواطن في النهاية، وهي تثبت مباشرة نجاح السياسات المالية والنقدية التي تتبناها المملكة.. إن هذا التصنيف قد وضع المملكة في مصاف الدول الأقوى داخل مجموعة العشرين الاقتصادية.. فالتصنيف الأخير لمؤسسة فيتش وضع المملكة في المركز السابع ضمن أعضاء العشرين الأقوى اقتصاديا بالعالم.. بحيث تسبق دول كبرى، مثل اليابان وكوريا والصين وإيطاليا.

إن هذا التصنيف سيساعد بشكل أو بآخر في قوة التجارة الخارجية للمملكة، ويعزز قوتها التفاوضية في التجارة العالمية عموما، بل أنه يساعد بقوة على اختراق الصادرات السعودية لدول أكثر أهمية.. فثقة المستورد ستزداد، ورغبة المصدر ستقوي، وتعاملات المملكة في السوق المالي والتجاري العالميين ستكتسب مصداقية أعلى.. ولا نبالغ إن قلنا أن تعامل المملكة مع الدول الأخرى الآن ينطلق من منطلق دولة ذات اقتصاد متقدم.