Monday 05/05/2014 Issue 15194 الأثنين 06 رجب 1435 العدد
05-05-2014

لا حل لمسألة الإسكان إلا بلجنة عليا مخوَّلة

من أهم سمات الفكر الإداري الجيد أنه يراعي السياق أو الموقف، فهو ليس مجموعة من الأسس والنظريات والإجراءات الجامدة، وذلك أن السياق له ظروفه وحيثياته وتحدياته وضغوطه وتكاليفه التي تفرض تركيزاً أكبر على أسس ونظريات وإجراءات بعينها، وبطريقة معينة ضمن أطر زمنية محددة.

ولذا فإننا نقول دوماً بأن الفكر الإداري سياقي بامتياز. وتتأكد هذه المسألة حينما نكون إزاء «الإدارة العامة»، أي الإدارة التي تُمارس في الفضاء الحكومي، وذلك لأنها مكبلة بحزمة من التشريعات والأنظمة المقيدة لعملها وإنتاجيتها، وهذا ما يفسر لنا سر التباطؤ في الأداء وتحقيق الأهداف المتوخاة في كثير من المنظمات الحكومية في أكثر الدول.

في الفترة الأخيرة، عمدت الحكومة - مشكورة - إلى دعم مسألة الإسكان بشكل كبير جداً، فقد أنشأت وزارة مختصة للإسكان وخصصت ميزانيات ضخمة ووجهت بسرعة الإنجاز للوحدات السكنية للمواطنين. وقد نشطت الوزارة بقيادة وزيرها الدكتور شويش الضويحي مع فريقه بوضع أطر استراتيجية وتنفيذية لمشاريع الإسكان، وهو جهد يستحق التنويه والشكر.

وحين نعود مرة أخرى إلى مسألة أن «الإدارة فكر سياقي»، فإنه يمكننا القول بأن الإسكان مسألة معقدة للغاية وتسير ببطء شديد نظراً لوجود تقييدات نظامية وتعقيدات عملية وتحديات فنية، هذه حقيقة. ومن جهة أخرى نقرر بأن سياقنا الراهن يتطلب سرعة كبيرة في إنجاز هذا الملف الحيوي للمواطنين، فالإسكان يقف على رأس أولويات كل مواطن، ويعد الإسكان من أهم المسائل التي تُشعر الناس بالرضا وتعزز الانتماء الوطني، وهذه حقيقة أخرى تثبتها بعض الدراسات وكل الوقائع.

لدينا الآن حقيقتان: تعقد مسألة الإسكان والبطء الشديد في عمله بجانب الحاجة الماسة لسرعة الإنجاز فيه وجعله قضية من قضايا الأمس. هاتان الحقيقتان تضغطان باتجاه تفكير استراتيجي يخرج عن نسق التفكير التقليدي في هذه المسألة المحورية. لكي نحقق الهدف المطلوب بالسرعة المطلوبة فإنه لا مفر من الخروج عن نسق الأداء الحكومي الرتيب. وفي رأيي أن هذا لا يتحقق إلا عبر: تشكيل لجنة عليا مخولة. ماذا أقصد بـ «لجنة عليا مخولة»؟

الهدف الأكبر لهذه اللجنة هو الدفع بالأداء الفعلي وتحقيق المستهدف خلال فترة زمنية قياسية، وهذا لا يتحقق إلا إذا توفر للجنة ما يلي:

أولاً: أن يرأس لجنة شخصية قيادية كبيرة، تتسم بالحزم والصرامة والدقة والإنجاز في تحقيق الأهداف المحددة.

ثانياً: أن تكون اللجنة مخولة بصلاحيات واسعة من قبل خادم الحرمين الشريفين مباشرة، في سياق يتيح لها أن تتعامل بمرونة كافية مع الأنظمة، بحيث لا تقيدها الأنظمة المالية والمحاسبية من جهة ولا الأنظمة ذات العلاقة بالإسكان والأراضي والخدمات ونحو ذلك.

ثالثاً: أن يكون للجنة الحق في الصرف وفق آلية مرنة، تتيح لها التحرك السريع لتأمين المبالغ المطلوبة وصرفها مباشرة، مع إقرار إجراءات للصرف والتوثيق بطريقة ملائمة عبر لجنة فرعية متخصصة.

رابعاً: وضع الميزانية المخصصة لمشاريع الإسكان في حساب مستقل، ويتم الصرف منه مباشرة وفق الإجراءات المعتمدة في اللجنة.

خامساً: أن تكون عضوية اللجنة العليا من الشخصيات القيادية ذات الصلة بالمشروع بشكل مباشر وعلى رأسهم وزير الإسكان ووزير الشؤون البلدية والقروية، على أن تكون مشاركة الجميع من أجل الإسهام في سرعة التنفيذ والإنجاز، لا التقييد بالأنظمة المعمول بها في الوزارات ونحوها.

سادساً: لوزارة الإسكان منظومة أهداف، يقف في مقدمتها هدفان يتطلع لهما كل مواطن، وهما: «تيسير حصول المواطن على مسكن ميسر تراعى فيه الجودة ضمن حدود دخله في الوقت المناسب من حياته»، و «زيادة نسبة تملك المساكن». وهنا أشدد على أهمية حصول المواطن على مسكن في وقت مبكر من حياته، وزيادة نسبة تملك السعوديين للمساكن (وتلك النسبة منخفضة مقارنة ببعض الدول المشابهة). وكل ما سبق يؤكد ضرورة وضع إطار زمني محدد للجنة ويبعث على التحدي، وفي رأيي أن فترة 3 سنوات معقولة جداً، على ألا تتجاوز 5 سنوات بأي حال.

سابعاً: سرعة تأمين الأراضي المطلوبة لمشاريع الإسكان، مع التوصية بتوزيع المشاريع على مختلف الأحياء والجهات في المدن والمحافظات.

ثامناً: تفيد المعلومات التي لدي بأن وزارة الإسكان قد أنجزت الكثير من المخططات والتصورات الفنية، ولذا فإن من المهم للجنة البدء الفوري بالتنفيذ، دون إبطاء، فالسياق لا يتحمل مزيداً من التأخير أو التردد.

تاسعاً: إسناد المشاريع لأفضل المقاولين مع تخويل اللجنة لمنح المقاولين للعمالة اللازمة، ويمكن أن تكون العمالة مؤقتة بفترة تنفيذ المشاريع الإسكانية. ومن المهم التأكيد على المقاولين السعوديين بأن هذه المشاريع لها صبغة وطنية، مما يجعلهم يعملون كشركاء في التنمية ومعالجة التحديات التي نواجهها، مع حقهم المشروع في جني الأرباح من هذه المشاريع.

عاشراً: إسناد المشاريع لأفضل المقاولين مع تحميلهم الشعور بالشراكة التنموية كما أسلفنا، سيساعد على رفع مستوى الجودة في أعمال التنفيذ، وهذا لا يعني عدم الحاجة إلى تشكيل لجنة متخصصة بضبط الجودة، ترفع تقاريرها مباشرة للجنة العليا للتوجيه بما يلزم.

ومن الجميل أن مثل هذا الأسلوب أي اللجوء للجان عليا ليس جديداً، فقد اتبع في أكثر من مشروع، ومنها بعض مشاريع الحرمين الشريفين، وقد كانت النتائج مشجعة للغاية من حيث الجودة والسرعة في التنفيذ, وإنني أعتقد بأن السياقات الراهنة تفرض علينا أن نتعامل بذات الطريقة في مسألة الإسكان ، فنحن نتوفر على إرادة عليا صادقة لحل هذه المسألة دون إبطاء مع رصد المبالغ اللازمة، ولم يبق سوى الآلية المناسبة.

إذن، فإنني آمل أن نرى قريباً هذه اللجنة العليا المخولة لحل هذه المسألة المحورية في حياة الناس والوطن. وكم سيكون رائعاً أن نثبت للجميع بأننا قادرون على الإنجاز المبهر في وقت قياسي، وسيكون لهذا الأمر ثمرات عظيمة، على المستويين الاستراتيجي والتكتيكي.

beraidi2@yahoo.com

مقالات أخرى للكاتب