Sunday 11/05/2014 Issue 15200 الأحد 12 رجب 1435 العدد
11-05-2014

تويت .. تويت .. بين (الطائف) و(الكويت)..؟!

أتاحت لي مشاركتي في اجتماعات الجمعية الخليجية للتاريخ والآثار؛ التي انعقدت بالكويت في العشر الأواخر من شهر أبريل الفارط؛ فرصة ثمينة لرؤية الكويت عن قرب، فهذه أول زيارة لي لهذا البلد الخليجي الذي يقع بين ثلاث دول كبار هي السعودية والعراق وإيران، وفيما كان يعيش

قبل الغزو العراقي في 2 أغسطس سنة 1990م، حراكاً ثقافياً وإعلامياً وفنياً ورياضياً وبرلمانياً متميزاً ومتفوّقاً في محيطه الخليجي في تلك الفترة، ينشغل اليوم بالجدل السياسي، ويتفانى البعض من رموزه في إظهار ولاءات لهذا الفصيل أو ذاك، والانتصار لجماعات لم تكن في يوم من الأيام ذات شأن في الكويت، ولا حتى في دول جوار الكويت، وهذا النشاط المحموم من وجهة نظر خاصة، هو الذي صرف أنظار الكويتيين عن واقعهم المعاش اليوم، وألهاهم عن العمل على استعادة كويت ما قبل الغزو.. كويت الصحافة المميزة، والإعلام المؤثّر، والرياضة المتفوّقة، والثقافة العابرة إلى بعيد، والإنتاج السينمائي المختلف، والبرلمان المتفرد.

من يدخل ويخرج من مطار الكويت المكتظ والمتعب في إجراءات الدخول والخروج؛ أو يعبر شوارعها الفسيحة، ويدخل أسواقها الحديثة، ويرى أبراجها الضاربة في عنان السماء، يدرك أنه في واحدة من بنات النفط المتشابهة، التي تنتظم اليابسة الخليجية من الكويت إلى سلطنة عمان. الكويت، والدمام، والخبر، والدوحة، ودبي، وخلافها. مدن عصرية طارئة نشأت بفعل ثروة النفط ومن أجله، لا يرى فيها الرائي أكثر من الأسفلت والإسمنت، وغير منتجات وبضائع شتى من شرق العالم وغربه، وبشر من كل لون؛ يمثّلون كل قارات العالم، يخدمون بعضهم بعضاً في هذه المدن.

في طريقي من الطائف إلى الكويت، تذكرت أجواء سنة الغزو الصدامي الغاشم على الكويت، وكيف أن مدينتي الوادعة بين الجبال على ضفاف وادي وج؛ تحولت إلى مقر وعاصمة لحكومة وشعب الكويت لأكثر من ستة أشهر، بل إن بعض سفارات الدول الكبرى في الكويت المعنية بالأزمة، حلّت بالطائف مع دولة الكويت وحكومتها، ومن الطائف كانت تدار الأزمة في الكويت، وتتحرك الطائرات لضرب المحتلين، إلى أن تم التحرير بحمد الله.

عندما دخلت المتحف الوطني الكويتي، حاولت أن أجد مقاربة بين تاريخ مدينة نفطية وأخرى تاريخية عريقة مثل الطائف، لكن البعد الزمني بين هاته وتلك واسع جداً. هناك في الطائف- كما في مكة ويثرب وصنعاء على سبيل المثال- بُعد شاسع يقدر بآلاف السنين، فالكويت مثل أخواتها بنات النفط في الخليج والجزيرة العربية، هي التي تملك سمات مدنية لا سمات حضارية، لأن الحضارة ترتبط بالتاريخ في بعده الزمني الذي يبلور ثقافة لها جذورها عبر آلاف السنين، في زمن لم يكن فيه نفط ولا ما ينفطون.

في مؤتمر جمعية المؤرّخين الخليجيين بالكويت، مكثنا أربعة أيام محبوسين في الفندق الذي هو مقر الاجتماعات، وكنا نظن أن زملاءنا الكويتيين من أعضاء الجمعية، الذين استضافونا مشكورين؛ وتولوا إدارة المؤتمر، سوف ينظّمون لنا برنامج زيارات لمعالم الكويت، التي من أشهرها الديوانيات الخاصة، حتى نقترب من الإنسان والمكان في دولة الكويت أكثر وأكثر، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، سوى زيارة قصيرة للمتحف الوطني لعشرات فقط من مئتي عضو، ولولا أن البعض منا تصرف من عنده، وغرد خارج سرب الضيوف المحبوسين في الفندق؛ لما رأينا في الكويت شيئاً يذكر، اللهم إلا مشقة الدخول من المطار وصعوبة الخروج منه، لضخامة الحركة، ولسوء التنظيم على ما يبدو، فالحافلة التي تقلك من الطائرة إلى المطار، ومن المطار إلى الطائرة، لاحقتنا من مطار جدة إلى مطار الكويت، وقد وجدتها أمامي بأسوأ من هذا في مطار الدوحة، في ذهابي إلى الجزائر والعودة منها كذلك، حتى إن رحلة الحافلة من الطائرة إلى مطار الدوحة تستغرق 20 دقيقة، ورحلة المغادرة بالحافلة من المطار إلى الطائرة عبر طرق التفافية وخروج من المطار والعودة إليه تستغرق 30 دقيقة..!

أكثر المدن التصاقاً بالكويت هي الطائف المأنوس، ففي خضم أزمة الغزو؛ كانت مقراً وعاصمة لدولة وشعب الكويت، وسجلت بهذا أروع صور التلاحم الأخوي الذي يربط بين دول وشعوب الخليج العربية، وبعد تحرير الكويت؛ صارت قبلة لآلاف الكويتيين الذين عرفوها عن قرب أيام الأزمة، فأصبحوا من مرتاديها صائفة كل عام، ومن أصحاب الأملاك العقارية فيها، فهم الذين يجمعون اليوم بين دفء وجماليات مياه الخليج العربي، وبين جماليات الطبيعة الجبلية الخلاّبة في الطائف المأنوس.

H.salmi@al-jazirah.com.sa

alsalmih@ymail.com

مقالات أخرى للكاتب