Sunday 11/05/2014 Issue 15200 الأحد 12 رجب 1435 العدد
11-05-2014

«السيسي» .. والجمهورية المصرية (الثالثة)؟

قبل أن تبلغ (خارطة المستقبل) المصرية، التي أعلنتها ثورة الثلاثين من يونيه الجماهيرية الحاشدة: مساء الثالث من شهر يوليو الماضي.. محطتها - ما قبل الأخيرة - بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، والتي أصبحت مصر الآن على أبوابها بعد أيام.. في السادس والسابع والعشرين من هذا الشهر (مايو)..

بين: نجم ثورة الثلاثين من يونيه (المشير عبدالفتاح السيسي)، الذي تردد طويلاً قبل الإعلان عن ترشيحه لـ (الرئاسة) رغم خروج الجماهير المصرية في الشوارع والميادين وهي تهتف: (السيسي.. هو رئيسي)!! وبين نجم ثورة الخامس والعشرين من يناير المختطفة التي أسقطت (مبارك) ونظامه في سبعة عشر يوماً: الأستاذ (حمدين صباحي).. الذي أسقطه في الانتخابات الرئاسية السابقة زبانية (الإخوان) ودراويشهم وأموال الطيبين الخليجيين - قبل أن يكتشفوا ما يحيكه لهم دراويش الدشداشة والزبيبة.. هؤلاء - لصالح الدكتور مرسي.. فانصرف لشأنه مكروباً مأزوماً بما حدث له ولثورة الخامس والعشرين من يناير، لتعيده ثورة الثلاثين من يونيه التي أزاحت (كابوس) الإخوان.. لسباق الانتخابات الرئاسية المبكرة هذا مجدداً.. كنت من بين الكُتاب المصريين والعرب الذين عبروا عن سعادتهم بخروج مصر وشعبها من محنة ذلك اليوم الدامع والحزين في حياتهم، عندما اضطروا مكرهين إلى الذهاب - في السادس والسابع عشر من يونيه من عام 2012م - إلى صناديق الاقتراع.. ليختاروا «علقماً» من علقمين.. أو «مراً» بين مرين: إما شفيق (الفلول) أو مرسي (الإخوان) لرئاسة مصر.. بمقالي: (اسعدي يا مصر.. بين خِيَاريْ «السيسي» و»الصباحي») الذي نشر أواخر شهر فبراير الماضي.. مع مخاوفي آنذاك من أن يخترق قائمة المرشحين إخواني حليق.. (مُندس)، يرتدي أفضل الملابس الأوروبية، ويعلق بين شفتيه سيجاراً كوبياً، ويردد فوق شفتيه كل مفردات (الليبرالية).. وهو يحمل أعلى المؤهلات والشهادات سواء من أمريكا أو بريطانيا..! ولكن.. يُحمد لدستور 2013م الجديد.. كما يحمد لـ (اللجنة العليا للانتخابات) أن نجَّيا قائمة المرشحين لرئاسة مصر من هذا «التخفي» و»الاندساس»، لتبقى القائمة.. وقفاً على رجلين هما: (السيسي) و(الصباحي) اللذان يمثلان بحق خياري (الفداء) في أعلى تضحياته، و(الوطنية) في أعلى تجلياتها، وكما أشرت في مقالي آنف الذكر..! ليدخلا وحدهما سباق رئاسة.. أليق ما يكون بهما وأليق ما يكون بـ (عرش) مصر الحضارة والثقافة والفنون والآداب والريادة على كل المستويات.؟!

* * *

وبصرف النظر عما تناقلته مؤخراً وسائط التواصل الاجتماعي على شبكة الـ (فيس بوك) و(تويتر).. من انتقادات وجهتها ابنة (فكر) الزعيم الراحل جمال عبدالناصر و(روحه) النضالية: السيدة هدى عبدالناصر.. لمرشح التيار الشعبي: السيد حمدين صباحي.. لمغازلته (الإخوان)، كسباً لبطاقات تصويتهم عندما تفتح صناديق الاقتراع.. وهي تذكره - إن نسي!! - بأن هؤلاء الذين يغازلهم الآن.. هم أول من رفع السلاح في وجه (أبيها) جهاراً نهاراً في ميدان المنشية عام 1954م لـ (تصفيته) جسدياً على طريقتهم في التخلص الدموي من معارضيهم، وكما فعلوا من قبل.. عندما اغتالوا (الخزندار) ورئيس وزراء مصر - آنذاك النقراشي باشا، فرئيس البرلمان المصري أحمد ماهر باشا في الأربعينات من القرن الماضي، وأنه لا يصح - بالذات - لمن يرتدي (معطف) الناصرية، ويتزيَّا بـ (فكرها) القومي ودعوتها التحررية الاستقلالية، ويقدم نفسه لجماهير الناخبين المصريين.. على أنه (ابن) الناصرية ودعوتها.. أن يغازل هؤلاء الانعزاليين حتى وإن كان بهدف كسب أصواتهم الانتخابية - إن بقيت لهم أصوات بعد أن انكشف المستور من تآمرهم على الأمة - ليس أكثر، أو قيل في تبرير فعلته: إن محاولة (الصباحي) في استمالة (الإخوان) إلى صفه يومي الاقتراع القادمين لا يصح أن تؤخذ بـ (ظاهرها).. فهي ليست بأكثر من استخدام لـ (مبدأ) الاستعانة بـ (المغفل).. كما جاءت في أدبيات الفكر الماركسي لتحقيق (هدف) لا يدريه!! وهو ما أميل إليه إن صحت اتهامات السيدة الفاضلة الدكتورة هدى جمال عبدالناصر.. مع التقدير والاحترام لها.

وفي المقابل.. وبصرف النظر - ثانية - عن هذا الذي مايزال يتردد همساً أو مبطناً.. من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا و(كاترين أشتون) الاتحاد الأوروبي وأمانة الوحدة الأفريقية عن (المشير عبدالفتاح السيسي) وثورة الثلاثين من يونيه الجماهيرية.. بأنها محاولة لعودة (العسكر) إلى حكم مصر، وإن ارتدت أفضل ما ترتديه الثورات الجماهيرية الشعبية الكاسحة كالثورة الفرنسية.. مثلاً، و(تمكيجت) بأفضل مساحيق وأحلى عطور (الديمقراطية) الموجودة في خزانتها.. بـ (تشكيل) قيادتها (الوطنية) المصرية من الأزهر والكنيسة وجبهة الإنقاذ والوفد والسلفيين، التي تولت رسم (خارطة المستقبل).. التي سارت وماتزال تسير عليها (مصر)، إلا أن معطيات الحكم (المدني) الذي قاده (الإخوان) طوال عام - من يونيه 2012م إلى يونيه 2013م - بمراراته وانقساماته ونكباته وعلى كل المستويات.. لم يكن ليخدم هذا الطرح الانفعالي المخادع، الذي اعتمد تهييج الجماهير بـ (نغمة) حكم العسكر، أو استدرار عواطفها نحو (الديمقراطية) الوليدة التي اغتالها (العسكر)، فما عاشته وشهدته مصر طوال ما يسمى بـ(حكم) الإخوان المدني من مرارات ومكابدات وشظف ودمار.. لم يشهده تاريخها الطويل الذي يمتد لآلاف السنين، وهو ما يعطي (خارطة المستقبل) روحها (الإنقاذية).. إلى جانب شرعيتها (الثورية) من خلال تلك الحشود الهائلة التي شاركت فيها، وشرعيتها (الوطنية) المصرية التي صدرت باسمها (خارطة المستقبل).. من الأزهر إلى الكنيسة إلى جبهة الإنقاذ إلى (الوفد) وما يمثله في وجدان المصريين إلى (السلفيين) الذين ظهروا في الحياة المصرية السياسية مؤخراً، لتنطلق في تطبيقها رغم كل (الفظائع) التي ارتكبها (الإخوان) من أجل إعاقتها عن التقدم على أرض الواقع.. وصولاً إلى هذين (الخيارين): السيسي والصباحي.. واللذان يعتبران أفضل ما أفرزته مرحلة ما بعد (مبارك)..!

* * *

فإذا كان من الواضح محلياً.. وعبر الاستفتاءات التلفزيونية التي شهدها الشارع المصري - بعد تسمية (المرشحين) لخوض هذه الانتخابات الرئاسية المبكرة -.. بأن نتائج هذا السباق الرئاسي ستكون (حتماً) لصالح (المشير السيسي): بطل (إنقاذ) مصر من قبضة (الإخوان) الديمقراطية الملوثة بـ (نتائجها) وما فعلته وأضمرته لـ (مصر) ودورها، و(الرجل) الذي خاطر بحياته وداس - كما يقول المصريون - على موقعه في حكومة الدكتور هشام قنديل.. وانحاز لجماهير (حركة تمرد) التي ملأت الشوارع والميادين بثلاثة وثلاثين مليوناً من المصريين - بأقل الإحصائيات المعتمدة عدداً - حتى اجتمعت وأجمعت القوى المصرية الوطنية على تشكيل قيادتها (المصرية الوطنية)، التي تولت إصدار (خارطة المستقبل) في الثالث من شهر يوليه الماضي.. والتي سارت عليها مصر بنجاح وإجماع نادرين.. حتى بلوغ هذه اللحظة الحتمية بفوز (المشير السيسي) المؤكد لـ (رئاسة) مصر، إلا أن الذي يُضعف هذه (الحتمية).. هو هذا (النقيق) الدولي الذي مايزال بعضه مستمراً - وإن ضعف وتراجع عن أيامه الأولى - إن كان في شكل نواح على (الديمقراطية) المغتالة.. أو في شكل توجس وقلق من عودة (العسكر) لحكم مصر..!

وفي المقابل.. فإن فوز (الأستاذ الصباحي) غير المؤكد، تكتنفه عقبات دولية وعربية أكبر وأخطر.. ترفعه إلى مرتبة (المستحيل)، فالولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرهم من ركائز الاستعمار القديم والحديث إلى جانب بعض العرب.. لا يريدون (عبدالناصر) آخر حتى وإن كان بملابس مدنية!! فرغم مرور أربعة وأربعين عاماً على رحيله.. فإنه وكما قالت إحدى الجدات (في المشرق.. وناره تحرق)!! والأستاذ الصباحي في البداية والنهاية - ورغم عتب أو انتقادات ابنة الزعيم الراحل السيدة هدى - له.. إلا أنه يبقى ممثل (الناصرية) والمعبر عنها وعن ألقها الوطني.. الذي لم ينس!!

* * *

على أي حال .. سيجد (المشير السيسي) نفسه ومنذ اليوم الأول في حياة الجمهورية (الثالثة).. أمام ملفات كـ (الجبال) حجماً.. ومفاتيح خزائن (هامان) ثقلاً، ليس أولها - فقط - الملف الأمني أو الاقتصادي أو سد النهضة الأثيوبي.. وليس آخرها ملفا: كامب ديفيد.. وتحقيق العدالة الاجتماعية لملايين الكادحين من أبناء مصر، ولكن وربما أكبر وأخطر.. ملفا: (الانتخابات التشريعية القادمة).. و(قطط الحزب الوطني) السمان التي هربت بثروات مصر.. لاستردادها!

ولكن.. وأياً كانت النتائج التي سيصل إليها المشير السيسي في كل هذه الملفات.. فإن (مصر) ستبقى هي الأسعد بهذا (التغيير) الجوهري الحاسم الذي جاءت به ثورة الثلاثين من يونيه.. حتى ولو باتت على (الطوى)..!

- جدة

مقالات أخرى للكاتب