Sunday 11/05/2014 Issue 15200 الأحد 12 رجب 1435 العدد
11-05-2014

رحم الله أبا خالد منصور الرشيد وأسكنه فسيح جناته

بقلوب مفعمة بالحزن والأسى فقدنا رجلاً عزيزاً، إنه ابن العمة الأستاذ منصور عبد العزيز الرشيد.. فالموت ذلك الزائر الذي لا يعرف لغة الاستئذان، يخطف منا الأعزاء ويصيبنا بفاجعة هنا وهناك، لا يمهلنا أن نعلن الوداع لمن نحب ... وكم حملت هواتفنا رسائل لكن بطعم الحزن والأتراح بين مفرداتها نعي حبيب رحل... إن دنيانا ليست سعادة دائمة لكنها مشوبة بالكدر، ويوم الأحد الموافق 27-6-1435هـ تسللت إلى هاتفي مع الشروق رسالة حملت نعي الفقيد أبا خالد، لم أصدق في الصدمة الأولى... وقلت لعله تشابه في الأسماء.. كررت النظر وأعدت الاتصال فقالوا منصور (يطلبك الحل)، هنا تأكدت أن الذي رحل هو ذلك الرجل الذي حمل معه القلب الطيب النقي والسريرة البيضاء والمعاملة النظيفة، فهو من جيل (الطيبين)، اقتربت منه وعرفته قبل 3 عقود فوجدته كما هو إنساناً قاموسه خال من مفردات الغل والحسد والنميمة والغيبة... طليق الوجه خفيف الظل كثيراً ما ردد عبارة (بارك الله فيك) وكان مصدر سعادة وأنس لمن يجالسه، فهو كتاب مفتوح الكل يقرأه، صدق فيه قول الشاعر:

كأنك من كل النفوس مركب

فأنت إلى كل الأنام حبيب

أما سيرة أبا خالد فهي حكاية أخرى، وقصة تروى... فهو من مواليد الرس في 10-9-1358هـ لكن طفولته مشتتة بين بيئات مختلفة نظراً لتنقل والده العلامة الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد بين التدريس بالحرم والعمل في سلك القضاء في مناطق عدة... لذا كانت الرس والباحة (الظفير) وتربة وحوطة بني تميم وأخيراً الرياض محطات اكتسب من خلالها تعليمه المبكر الذي كان خليطاً بين المدارس النظامية والمساجد... حتى التحاقه بالمعهد العلمي بالرياض وتخرجه مع الدفعة الأولى ليلتحق بكلية الشريعة.. ويعمل بعدها معلماً في المعهد لمدة سنتين... ثم انضم إلى أوائل الموظفين المؤسسين للرئاسة العامة لتعليم البنات عام 1381هـ... وواصل خدمة الوطن بإخلاص في هذا الجهاز حتى تقاعده في 1423هـ وكان يعمل خبير تخطيط تربوي.

وأبو خالد -رحمه الله- كان له اهتمامات إلى جانب عمله الوظيفي، وربما تأثر بوالده في طلب العلم والإقبال على كتب أعلام الرجال... فكان له باع في البحث عن قضاة نجد وتعاون مع مؤسسة (أسبار) في مشروع ترجمة (الشخصيات الوطنية) ونقلت عنه خمسمائة ترجمة.. وله اجتهادات ومدونات بالأنساب حيث له باع في تأسيس شجرة الأسرة (الرشيد) بالرس.. كما عمل على توثيق الحالة العلمية في نجد بأربع مجلدات لم يصدر حتى الآن...

إلى جانب بحوث ومقالات نشر جزء منها (الورقة والوراقون) وأسهم في نسخ كتاب (الشيخ محمد بن إبراهيم الضويان)... وكتب عن المؤلفات الفقهية في نجد قبل نهاية القرن الثاني عشر.

إلى جانب قيامه بنشر وتحقيق كتب والده مثل (كتاب التنبيهات السنية بشرح العقيدة الواسطية، وكتاب عدة الباحث في أحكام التوارث، وكتاب إفادة السائل بأهم السمائل)... وكان له تعاون مع الكثير من الباحثين وكتب مقدمة كتاب الرس عبر التاريخ (توثيق للحياة العسكرية والعملية والاجتماعية لمؤلفه الأستاذ عبد الله صالح العقيل. وقد اتجه قبل أكثر من عقدين من الزمان إلى إنشاء (دار الرشيد) للطباعة والنشر أسهم في طباعة ونشر بعض الكتب وشارك في معارض الكتب الموسمية والسنوية بالداخل والخارج.

وفي يوم الأحد 27-6 خطفه المنون وتوقف قلمه ورحلة التدوين والبحث ليُعلن نعيه بعد أن عانى في السنوات الأخيرة من متاعب صحية اضطرته إلى مراجعة مشاف في الداخل والخارج.. وأصبح وضعه قليل الحركة يدفع بكرسي متحرك... مع هذا كان قريباً من ربه مواصلاً لعبادته وصلاته في مسجد حيه القريب ما استطاع إلى ذلك سبيلاً... كان شعاره الصبر على أقدار الله... هكذا رأيته مبتسم الوجه.. مرحباً بكل قاصد، يسأل عن أحواله وصحته.

ودَّعنا أبو خالد وفي القلب عليه حسرة وبالعين دمعة وبالحلق غصة... رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.. وأحسن عزاء أولاده وبناته وزوجته وأخوانه وأخواته.. وأسرته الكريمة.. اللهم ثبته على القول الثابت وأجعله في عليين مع الصديقين والشهداء والصالحين.. وأن يجمعنا به في جنات النعيم ويجزيه خير الجزاء ويبارك في ذريته ويلهمهم الدعاء له وبره وإحسانه.. ويجعل ما قدم خالصاً لوجه الله سبحانه وفي ميزان حسناته.

{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.

Rasheed-1@w.cn

- الرس

مقالات أخرى للكاتب