Thursday 15/05/2014 Issue 15204 الخميس 16 رجب 1435 العدد
د. فوزية البكر

د. فوزية البكر

التعليم حرام عند جماعة باكو حرام

15-05-2014

موقف القيادات المسلمة

من المذهل حقا أن قضية حق التعليم (عامة) وقضية تعليم المرأة المسلمة (خاصة) لا زالت أمورا مطروحة للنقاش والاختلاف والذي برز بقوة بعد أن قامت وسائل الإعلام الرئيسية في العالم (أخيرا) وبعد أكثر من شهر بإعلامنا عن الفظائع التي تمارسها الجماعة الإرهابية النيجيرية المسماة (باكو حرام) النيجرية المتطرفة والتي تعد أحد ذيول تنظيم القاعدة الإرهابي ولكن أشد بطشا منه وأكثر غيا ووحشية.

وللمعلومية فقد قامت هذه الجماعة بفظائع وحشية لا يصدقها العقل البشري في العصر الحديث ومنها أنها في فبراير من هذا العام قامت بالهجوم على مدرسة بنين في قرية يوبي شمال شرق نيجريا وقتلت إما رميا بالرصاص المباشر أو حرقا 59 صبيا! كما هاجمت الجماعة مدرسة في قرية مامودو وقتلت 22 صبيا ثم قامت باختطاف هؤلاء الفتيات (267) فتاة، فرت منهن (50) وبقي في أيدي الجماعة ما بقي حيث قالت الجماعة عند اختطافهن أنها تنوي تحويلهن إلى الإسلام ثم تزويجهن بالمقاتلين ثم سبي الباقيات وبيعهن في سوق النخاسة (أي عقل هذا الذي يتحدث بلغة السبايا في عصرنا الحديث؟؟)

ليس مفهوما لدي كيف صمت الإعلام العالمي (والغربي منه تحديدا بسبب انتشاره وقوة تأثيره) مثل رويتر والبي بي سي والسي إن إن) عن قضية اختطاف الفتيات النيجريات من قبل هذه الجماعة منذ أكثر من شهر وكأنها لم تحدث وحين فقط تحركت الولايات المتحدة بضغط من مؤسسات مدنية ودينية مختلفة (باعتبار معظم المخطوفات مسيحيات) ظهرت القصة إلى الإعلام العالمي وسمع الجميع عنها وبدأت الجهود الدولية لتحريرهن.

يجب أن أعترف الآن أنني وقبل هذه القصة المريعة كنت أمتلك بعض التحفظ على قصة الطفلة الباكستانية ملالا التي أصابتها طالبان برصاصتين عام 2012 نتيجة نشاطها في حقوق الإنسان ومطالبتها بحق الفتيات في التعليم حيث كنت أشعر بأن القصة ربما ضخمت من قبل الإعلام الغربي الذي يعشق الصورة النمطية للعالم الإسلامي ذكوريا ومتطرفا وللمرأة فيه ضعيفة ومحرومة.

لم أكن أتصور فعلا أن يناقش مسلم حق مسلم آخر (رجلا كان أو أمراه) في التعليم خاصة أن أول آية نزلت في القرآن الكريم هي (اقرأ باسم ربك الذي يخلق) ولأننا أيضا كنساء مسلمات وفي هذه المنطقة الموغلة أيضا في التوحش (الثقافي) ضد المرأة تمكنا بدعم كبير من قادة هذه الدولة بتوفير التعليم المجاني لجميع النساء دون استثناء ومنذ أكثر من أربعين سنة ولم تعد هذه القضية مجال نقاش عند أي أحد ولله الحمد. لكن المفاجأة المؤلمة أن ذلك لم يكن حال النساء المسلمات في كثير من أصقاع العالم الإسلامي للأسف وما حدث للباكستانية ملالا وما حدث لهولاء الفتيات النيجريات من قبل هذه الجماعة مريع ومخيف بكل الأشكال.

نحمد لقادتنا ورموزنا الدينية وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، مفتي عام المملكة العربية السعودية أن أعلن صراحة أن هذه الجماعة المتشددة التي تقول إنها تريد إقامة دولة إسلامية في نيجيريا فئة ضالة مدسوسة على الإسلام لتشويهه. وهو ذات الموقف الذي اتخذته معظم القيادات الدينية في العالم الإسلامي وعلى رأسها الأزهر الشريف.

وموقف القيادات الدينية في هذا الموضوع هام للغاية لأنه يجرد مثل هذه الجماعات الضالة من شرعيتها ويرفع عنها غطاء الاستخدام المسيس والجاهل بالدين الإسلامي وحاشا أن يكون إسلامنا مصدرا لفئات ضالة ووحشية مثل باكو حرام.

الدروس المستفادة من المغامرة الخطرة التي قامت بها هذه الفئة هي:

أولا: أن التطرف يرتبط في الغالب بالفقر والإحساس بالغبن والظلم كما يكون بتفشي الجهل والعقلية الخرافية وتقليل أهمية التعليم العلمي الذي يبني الرؤية العلمية والمنطقية للأشياء. التطرف يأتي مع انعدام التنمية والخدمات والتفاوت الطبقي وسوء استخدام المال العام وشيوع الفساد الإداري والمالي.

ثانيا: هناك طريق طويل أمامنا كعالم إسلامي لتحريك عجلة التنمية الحقيقية ومهما بنينا من مدارس وجامعات وصروح علمية وطبية (وهي شيء جيد جدا) إلا أنه لا يكفي لقهر التخلف والعقلية اللامنطقية والخرافية والجاهلة بل ما يقهر ذلك فعلا هي استراتيجية سياسية ثم تعليمية واضحة لبناء الإنسان وعقله ونفسه أولاً: الإنسان العلمي الذي يتبني المنهجية العلمية في فهم وتفسير الظواهر المحيطة به بما يساعده على فهمها والسيطرة عليها بدل النزوع للخرافة والتوحش والقتل كسبيل للسيطرة على من يكون أمامه مثل هذه الفتيات العزل اللاتي خطفن غدرا من مدرستهن الداخلية بحجة تحريم التعليم! السياسة التي تركز على كشف أجمل ما في الإنسان من خلال فهم التراث الإنساني علميا وفنيا وتشكيليا وموسيقيا وإظهار طاقته الإنسانية وتقديرها ليقدر كل من حوله من البشر أين كانوا وبغض النظر عن اختلافاتهم الجنسية أو العرقية أو القبلية.

من الواضح أننا وفي العالم الإسلامي لازال أمامنا طريق طويل حتى نصل إلى ذلك وما ظهور هذه الجماعات بل وما دعمها وتبرير ما تفعله وخاصة من بعض الجماعات السعودية المتطرفة للأسف (نعم: جماعات سعودية عديدة: اذهب إلى جوجل واكتب عن باكو حرام وادخل بعض المواقع السعودية وسيذهلك كيف يبرر هؤلاء وحشية هذه الجماعات التي قامت فقط خلال هذا العام 2014 بقتل أكثر من 8000 شخص بحجة رغبتها في الانفصال عن الجنوب المسيحي من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية!

للأسف : يجب أن أعترف أن نظرية صامويل هانجتون في صراع الحضارات والتي ظهرت في تسعينيات هذا القرن ولم أتصور حدوثها آنذاك هي اليوم حقيقة واقعة!

مقالات أخرى للكاتب