Sunday 18/05/2014 Issue 15207 الأحد 19 رجب 1435 العدد
18-05-2014

عمى بصيرة الإخوان أسقطهم

اختلفت الآراء حول ما حصل في مصر، البعض يعده انقلاباً وفق المفهوم النظري السائد، والممارسة العملية المألوفة في الستينيات وما قبلها وبعدها من القرن الماضي في العالم العربي تحديداً، البعض الآخر يعده مختلفاً عن سمة الانقلابات إلى حد ما من وجهين:

الوجه الأول: على الرغم من أن الجيش هو المتصدر، إلا أنه لم يتم فجأة في آخر الليل، وفق العرف المعتاد في الانقلابات العسكرية، حيث الاستنفار ونشر الدبابات في الشوارع، من ثم يعقبه بيانات عسكرية تطعن في الحاكم السابق، وتطلق الوعود الوردية لما هو آتٍ.

الوجه الثاني: إنه انقلاب على فئة حصلت على نسبة مئوية تجاوزت الـ 50% برقم ليس له دلالة إحصائية وفق مفاهيم التحليلات الإحصائية للأرقام.

قد لا يعترف البعض بتلك الدلالة الإحصائية، المهم أنه فاز وكفى، أو يقف عند الفرق المتعارف عليه وفق قانون الانتخابات المعتمد، بينما يحتج البعض الآخر بحقوق الفئة لتي لم تصوّت وبقيت في الطرف الآخر المعارض، هذه الفئة لها حقوقها التي يجب أن تُحترم، ويجب أن تُراعى وتُؤخذ في الحسبان في عمليات الحكم وخططه وبرامجه، ويُستفاد من قياداتها وخبرائها في إدارة الحكم حسب الكفاءة والقدرة.

ما زالت الحالة السياسية المصرية مثار جدل، وأخذ ورد، ليس على مستوى الحياة السياسية في مصر فقط، بل على مستوى الشارع العربي عامة، ولهذا أسبابه المعروفة، مما جعل تلك الحالة تحظى باهتمام المحللين السياسيين والمفكرين الذين شخَّصوا حالة عجز الإخوان في التعامل مع الحكم وإدارته داخلياً وخارجياً.

لقد تواتر بين الساسة والمفكرين، أن جماعة الإخوان كانت مترددة في النزول مع عامة المحتجين على الأوضاع في الميادين العامة، وبخاصة في المرحلة الأولى، خشية ألا تنجح تلك الاحتجاجات، وبالتالي تخسر الجماعة بعضاً من نجاحاتها، ولكن بعد أن تبين لها من مجريات الأحداث ومآلاتها أن سفينة مبارك غارقة لا محالة، نزلوا بقضهم وقضيضهم، وبهذا كشفت الجماعة عن وجهها الانتهازي البشع الذي يفتقر للقراءة الموضوعية للأحداث، والرؤية الصائبة تجاه الموقف منها.

إن الجماعة وعلى الرغم من عمرها الطويل، وتجاربها المريرة، لم تستفد من تاريخها في المعارضة بحيث تعد قيادات مؤهلة في مختلف مجالات الحياة المجتمعية والتنموية، لقد بدا ذلك واضحاً في عجزهم عن تأمين قيادات مهنية مقنعة بعد أن تمكنوا من الحكم والإدارة، حتى في أبسط المجالات - التعليم مثلاً - وأكثرها وفرة في إمكان تملك الخبرة والقدرة، فضلاً عن المجالات الأخرى التي تتطلب مهارات شخصية متمكنة، وخبرات عملية عميقة.

ومما زاد من حجم التحدي الذي واجه الجماعة، أن القوى الرئيسة لمقومات أي حكم ليست مع الجماعة، بل تعمل ضدها تماماً، وهذا مما يؤكد عدم إدراكها للواقع، وبالتالي فقدانها البوصلة التي يفترض أن تهديها للنهج السليم في التعامل مع تلك القوى ومع المتغيرات المفاجئة والمتلاحقة التي جلّها مصنوعة لتوريط الجماعة في المزيد من المشاكل والأزمات.

يأتي في مقدمة تلك القوى، الجيش بما يمثّله من قوة وطنية مادية ومعنوية، قوى الأمن الداخلي، بما تمثّله من أجهزة أمن وحماية وانضابط، الإعلام بما يمثّله من قوة في توجيه الرأي العام وتشكيله، الاقتصاد الذي يُعد بمثابة المحرك الرئيس للحياة اليومية واستقرارها، كل هذه القوى ليست مع الجماعة، ولا تملك الجماعة ناصية التحكم فيها وإدارتها.

ومما زاد من تعقيد الموقف المضاد للجماعة، الإيحاءات غير المطمئنة، بل العدائية، من بعض قيادات الجماعة تجاه أنظمة الحكم المخالفة للجماعة، وهذا من عمى البصيرة، الذي أفضى إلى سقوطهم الذي سوف يطول.

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب