Sunday 18/05/2014 Issue 15207 الأحد 19 رجب 1435 العدد
18-05-2014

المنطق السعودي الجديد

لم يعد خافياً على أحد أن الإنسان السعودي اليوم يختلف عن نظيره قبل سنوات من الزمن. وقد أسهمت عدد من العوامل الداخلية والخارجية في إعادة صياغة فكره ومنطقه، وأثرت على استجاباته نحو ذاته والآخرين.

وهذا مؤشر ظاهري على أنه إنسان قوي وطموح وعصامي. وفي كل تخصص

علمي وفي كل مجال مهني له شواهد على جدارته الفكرية والعلمية والاجتماعية والعسكرية والسياسية.

ومناورات (سيف عبد الله) كنموذج على الطموح المتوقد للإنسان السعودي، والقوي الذي لا يرضى بحياة المهانة من أي مصدر كان، هي عبارة عن عرض عسكري لم تشهدها المملكة العربية السعودية الحديثة، إذ جرت خلال (16-27 جمادى الثانية الموافق 16-27 أبريل 2014م)، تحت سيطرة مركز عمليات موحّد في الرياض؛ نظراً لأنه يعد المركز الرئيس في اتخاذ القرار العسكري، وتجاوز عدد المشاركين فيه (130) ألف عسكري وهم جزء من القوات المسلحة السعودية، وينتمون إلى وزارات: الدفاع والحرس الوطني والداخلية، وتتمثل أهدافها في: التأكيد على جاهزية جيش المملكة وقواتها العسكرية وقدراتها الفاعلة في التصدي لأي تهديد لأمنها القومي، والتدريب على استخدام أحدث الأجهزة والمعدات العسكرية، والارتقاء بمهارات العسكري لمواجهة التحديات المستقبلية والأخطار المحيطة البرية والجوية والبحرية، ومحاكاة الظروف المتوقعة للحرب من جهات مختلفة التضاريس.

والجديد في هذه المناورات هو ليس في العدد في القوات العسكرية ولا في آلة الدفاع، فقد عملت القوات المسلحة مناورات مختلفة، وإنما في عنوانها الصريح وهو: جاهزون لقطع اليد التي تهدد أمن الوطن واستقراره، وهي رسالة واضحة الغاية من المقصود بها، وأنها تعلن اعتمادها على الله وحده في المواجهات الطارئة، على الرغم من أن السعودية معروفة لدى حكومات الدول المجاورة والبعيدة باتباع سياسات: ضبط النفس، والصمت الذي يقهر الخصم، وتقديم الحلول الدبلوماسية في مواجهة الاعتداءات، والحرص على تنفيذ مضامين القرارات الدولية.

وأفرزت هذه المناورات تداعيات سريعة من بعض الدول، والتي يجب على القارئ السعودي أن يتوقف طويلاً عندها؛ ليبرز دلالاتها، فالدول القوية تتفهم منطق القوة. حيث نشرت صحيفة عاجل الإلكترونية يوم الأربعاء (1 رجب 1435هـ الموافق 30 أبريل 2014م) تصريحاً لمدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن الأمريكي سايمون هندرسون (Simon Henderson) بقوله: إن إدراج السعودية صواريخ صينية بعيدة المدى في مناورات (سيف عبد الله) كان إشارة دبلوماسية على عزمها احتواء قوة إيران المتنامية في المنطقة، فضلاً عن استعدادها للتحرك بشكل مستقل عن الولايات المتحدة الأمريكية. ووجود قائد الجيش الباكستاني رحيل شريف أيقظ تكهنات بأن الرياض قد تسعى إلى الحصول على رؤوس نووية من إسلام أباد؛ لتركيبها على الصاروخين الصينيين بعيد المدى (DF-3) اللذين اشترتهما السعودية عام 1987م؛ لمواجهة أي قوة محتملة من إيران. كما أشار إلى أن السعودية قد اشترت من الصين صواريخ متوسطة المدى (DF-21) عام 2007م لكنها لم تظهر في المناورات.

وذكر موقع ديبكا فايل (Deepka) القريب من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية كما جاء في صحيفة صدى البلد الإلكترونية يوم الأربعاء (1 رجب 1435هـ الموافق 30 أبريل 2014م) أن السعودية هي أول دولة شرق أوسطية تقدم على إظهار صورايخ طويلة المدى تصل إلى (2650)كيلو متراً في العرض العسكري يوم الثلاثاء والذي يمكن أن تزودها برؤوس نووية بوزن (2150) طن، هذا فيه إشارات منها الأولى إشارة قوية على امتلاك السعودية طرازاً متقدماً من الأسلحة، والثانية غضب دول الخليج وفي مقدمتها السعودية من الاتفاق المرحلي الذي تم التوصل إليه أواخر العام الماضي بين إيران والدول الست الكبرى، والثالثة إشارة شديدة الوضوح إلى أن السعودية ما زالت تعارض الاتفاق النووي مع طهران والذي سيجعلها في المستقبل شبه نووية.

وقد سبق هذه المناورات تكتيك سعودي هادئ طويل النفس؛ لتهيئة الظروف للعرض العسكري المفاجئ، وقد جاء بصور عدة، المثال الأول: التصريح الناري لرئيس الاستخبارات السعودي الأسبق سمو الأمير تركي الفيصل كما نشرته صحيفة سبق الإلكترونية في (19 ذي الحجة 1434هـ الموافق 23 أكتوبر 2013م) الذي وصف فيه أداء الإدارة الأمريكية الحالية حيال ملفات المنطقة بأنه يبعث على الأسى، واعتبر أن اتفاق نزع السلاح الكيماوي شكل مخرجاً لها من تعهدات تنفيذ ضربة عسكرية، كما انتقد فتح الذراعين لإيران واعتبر أن من يعتقد أن الرياض ستقبل استيلاءها على البحرين واهم.

والمثال الثاني مقالة السفير السعودي لدى بريطانيا سمو الأمير محمد بن نواف والذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز (NewYork Times) في (17 ديسمبر 2013م) ونشرته صحيفة الوطن الإلكترونية في (19 ديسمبر 2013م) من أن سياسات الغرب حيال إيران وسورية تنطوي على مجازة خطيرة لا يمكننا لزوم الصمت حيالها ولن نقف مكتوفي الأيدي، مؤكداً أن بلاده على استعداد للتحرك بمفردها لضمان الأمن في المنطقة، وأفاد بأن خيارات السياسة الخارجية التي تبذل في بعض العواصم الغربية خطر على استقرار المنطقة، وهذا يعني أن المملكة لا يوجد لديها خيار آخر سوى أن تصبح أكثر حزماً في الشؤون الدولية وأكثر تصميماً من أي وقت مضى للدفاع عن استقرار المنطقة.

والمثال الثالث إبان زيارة الرئيس الأمريكي لخادم الحرمين الشريفين يوم الجمعة (27 جمادى الأولى 1435هـ الموافق 28 مارس 2014م)، إذ نشرت صحيفة فيتو الإلكترونية (30 جمادى الأولى 1435هـ الموافق 31 مارس 2014م) خبراً من أن السعودية ستحصل على قنبلة نووية إذا ما حصلت عليها إيران، الأمر الذي لم يعجب واشنطن التي هددت بدورها بكشف المنشآت النووية في صحراء المملكة مما فسره بعض المحللين بمثابة تحدٍ من جانب السعودية للإدارة الأمريكية.

والمثال الرابع افتتاح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله- إستاد الجوهرة بجدة يوم الخميس (2رجب 1435هـ الموافق 1 مايو 2014م) رغم ظرفه الصحي وكلمته الأبوية التي تعكس اللحمة الداخلية بين القيادة والشعب، فقد جاءت كلمته معبّرة عن ما في قلبه الأبوي من جهة، وفرحة الشعب برؤيته في المنصة المخصصة من جهة أخرى في حين أنه لم يخرج -حفظه الله- لاستقبال الرئيس الأمريكي في المطار عندما زار السعودية كما جاء في المثال الثاني.

هذا المنطق السعودي الجديد يفرض علينا أن لا نغفل عن السيناريوهات المتوقعة من بعض الدول تجاه السعودية. فمثلاً نشرت صحيفة الشعب الإلكترونية في (12 مارس 2014م) أن مسئولين إيرانيين رفيعي المستوى اتصلوا بنظرائهم القطريين ليعرضوا عليهم التعاون والمساعدة في أعقاب قرار السعودية والإمارات والبحرين سحب سفراءها من قطر؛ بقصد إعادة ترميم العلاقات الإيرانية القطرية التي كانت على مستوى عالٍ من الوفاق قبل أن تتأثر باختلاف المواقف بين الطرفين تجاه الثورة السورية.

حفظ الله بلادنا من كل سوء.

malnooh@ksu.edu.sa

كلية التربية - جامعة الملك سعود

مقالات أخرى للكاتب