Sunday 18/05/2014 Issue 15207 الأحد 19 رجب 1435 العدد
18-05-2014

التحذير من (التغريب) في كوريا الشمالية أيضاً!!

عندما يجد الإنسان نفسه في مأزق، وكل من حوله تركوه في ورطته، لا يأبهون به وهو يسعى إلى الانهيار والتلاشي الحتمي، لا يجد أمامه إلا الصياح والنعيق وشتم من انتصروا عليه، وتركوه في مأزقه وأزمته.. هذه جُبلّة إنسانية، لا علاقة لها بالدين، أو الثقافة، أو الزمن، ولا حتى بالجغرافيا؛ فأينما وُجد الإنسان، وهُزم، تمدُّ الألفاظ النابية والمنحطة والقذرة أعناقها حيث كان وأياً كانت ديانته وثقافته، لتشير إليه وإلى فشله؛ فعلى قدر الألم والفشل تأتي الشتيمة والصياح، وأحياناً البكاء على الأطلال، إذا كانت ثمة أطلال دارسة.

كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية جزآن من شبه جزيرة آسيوية واحدة، تقع في الشرق الأقصى من القارة الكبرى؛ يقطنها شعب ذو قومية وأصول وثقافة وموروثات واحدة. شمالها - من سوء حظه - التحق بالشيوعية، فأصبح اسمه (جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية) وعاصمتها (بيونغ يانغ)، أما الجزء الجنوبي فالتحق بالغرب، وبالثقافة الرأسمالية، وأصبح اسمه (جمهورية كوريا الجنوبية) هكذا دون أية محسنات وصفات أخرى، وعاصمتها (سيول)؛ واسم (كوريا) - بالمناسبة - مُشتقٌ من مملكة (كوريو)، نسبة إلى سلالة لأسرة مالكة حكمت شبه الجزيرة هذه في ما بين (918م و 1392م)، مثلما أنّ اسم بلادنا مشتقٌ من سلالة (آل سعود) الأسرة المالكة لبلادنا.

كانت كوريا محتلة من اليابان منذ عام 1905، وبعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية عام 1945، قُسمت شبه الجزيرة الكورية إلى جزأين : شمالها، مما يلي الصين، أصبح منطقة نفوذ للاتحاد السوفييتي، والجنوب منطقة نفوذ أمريكية، كوريا الجنوبية (تغرّبَت)، واتبعت النمط الغربي الحضاري المتفوق والمنتصر لا تحيد عنه، وتستقي ثقافتها، وبالذات الاقتصادية والصناعية، من معينه، في حين أنّ كوريا الشمالية بقيت (على طمام المرحوم) الاتحاد السوفييتي؛ مجرّد سلاح يتراكم، ورؤوس نووية تتزايد مع كل يوم جديد، وتكريس لثقافة العداء والكراهية للغرب والغربيين وحضارتهم بين أفراد شعبها، بينما أنّ متوسط دخل الفرد الكوري الشمالي في السنة لا يتعدّى على أفضل تقدير (ألف دولار) في السنة، في حين أنّ متوسط دخل الفرد الكوري الجنوبي (خمسة وعشرون ألف دولار) في السنة، أي خمسة وعشرون ضعفاً على أقل تقدير، ونتيجة لهذا الفشل الذريع، وهذا التفاوت المخجل بين الدخلين، وكما هي عادة الفاشلين دائماً تجاه المتفوقين، أصبح الشتم والسب (للغرب والتغريب) منهجاً لا يحيد عنه الخطاب الإعلامي الكوري الشمالي.

خذ - مثلاً - هذا الخبر الذي تداولته وكالات الأنباء في (الغرب) جاء فيه بالنص : (هاجمت وكالة الأنباء الرسمية الكورية الشمالية الرئيس الأمريكي أوباما وأيضاً الرئيس الكوري الجنوبي بارك جيون هاي بعد زيارة أوباما التي استغرقت يومين لسيول الشهر الماضي). المقال الذي نشر يوم 2 مايو، وصف أوباما بأنه «مهرج» و «شخص قذر» بل وقال «إنه ليس لديه حتى المظاهر الأساسية للإنسان». وتواصلت اللغة العنصرية على لسان حكومة بيونغ يانغ حيث قالت « إنه هجين غير واضح الأصول» وأنه « لا يزال لديه شخصية قرد في حين تطور الجنس البشري خلال ملايين السنين) !!

بقي أن تعرف عزيزي القارئ، أنّ مفردة (تغريب Westernization) والتحذير من اقتفاء أثر الغرب، هو مرتكز الخطاب الإعلامي الرسمي في كوريا الشمالية، لتدرك إلى أين سيقودنا هؤلاء المتشددون فيما لو أطعناهم؛ فالعصا أخت العصية مضموناً لا شكلاً هنا وهناك، ولكم الحكم.

إلى اللقاء ..

مقالات أخرى للكاتب