Sunday 18/05/2014 Issue 15207 الأحد 19 رجب 1435 العدد
18-05-2014

بئست التركة التي تلعن صاحبها

حالة مستعصية، مثقلة بالهموم، مليئة بالمتاعب المعقدة والمتشعبة، متكررة ومتجددة من جيل إلى جيل، تتنقل بين أحبتنا، فنراهم بأم أعيننا يتجرعون آلامها وسمومها، وبدلاً من أن نأخذ الدرس ونعتبر، نجد أنفسنا نغرق فيها أكثر غرقاً من أولئك الذين سبقونا؛ إنها «التركة» أو «الميراث»!.

إذ يسخِّر الأب حياته باذلاً أقصى ما يمكنه من فكر، وجهد، ووقت، لتحقيق همّ ما انفك يشغله تجاه زوجته وأبنائه، انطلاقاً من المسؤولية الملقاة على عاتقه نحو إرساء ما يؤمن لهم حياة مستقرة وآمنة.

ومن ثم، وبتوفيق الله سبحانه وتعالى، ثم بجده وإخلاصه، ينجح في جمع مبلغ لا بأس به من المال وإيداعه في أحد البنوك رصيداً لأسرته بعد رحيله، أو في تحقيق عائد مالي عبر تأسيس مشروع استثماري، أو إنشاء عقارات تجارية وسكنية يتم تأجيرها، أو امتلاك أرض زراعية مثمرة، وغرضه من ذلك أن يترك لأبنائه شيئاً يجلب لهم السعادة وراحة البال، ولا يطمع من وراء ذلك في أكثر من دعوة له بعد مماته.

وبالتأكيد لمّا يحين الأجل، وينتقل الأب إلى رحمة الله، يعم الحزن أرجاء البيت، ويملأ الألم النفوس، لكن لبعض الوقت فقط؛ إذ سرعان ما يبدأ الأبناء في البحث عن شؤونهم الخاصة؛ كلٌّ حسب هواه ووفق مصالحه، خاصة في ظل وجود تركة لم يتعبوا بها، ولا يدرون كيف تم جمعها، وبالتالي لا يدركون حقيقة قدرها، بل كل ما يدركونه أنه قد حان وقت تقسيمها.

ومن ثم تبدأ المباحثات، فأصغر الأبناء أعزب ويشغله موضوع الزواج وتأمين المنزل والسيارة، والابن الأوسط متزوج، وله أبناء، وعليه أعباء، ولابد من مشروع يرفع من مستوى دخله، بينما الابن الأكبر يدير بعض الأعمال التي تركها الأب، وهي بالنسبة له شغله الشاغل ومصدر رزقه الوحيد؛ فيرفض تقسيم التركة؛ لأن تقسيمها سيتطلب بيع العقارات التي يديرها أو الأرض التي يشرف على زراعتها، وهناك في الجانب الآخر الأم والبنات يلزمن الصمت والحيرة.

إذن، تبدأ شرارة الخلاف، ويبدأ الأبناء البحث عن حل هادئ، فهم إخوة وحتماً هنالك قدر من المحبة والاحترام المتبادل فيما بينهم، بالإضافة إلى ما يحملونه بداخلهم من احترام خاص لوالدهم وتقديراً لمسيرته، فيغض بعضهم الطرف وينجح في عدم تأجيج الموقف، لكن إلى متى؟.

فمشكلة اليوم بين الإخوة، لكنها في الغد ستتشعب ويصبح أبناؤهم أطرافاً فيها، والدافع الذي جعل الإخوة يغضون الطرف عن تصعيد الخلاف، لن يكون موجوداً بين أبنائهم، وبخاصة إذا جنى أبناء أحد الإخوة خيراً لم يجنه أبناء الأخ الآخر، ومن ثم تزداد شرارة الخلاف اشتعالاً، وتصبح المشكلة أكثر تعقيداً؛ إذ إن الحل الذي كان بالأمس ممكناً بين الإخوة، أصبح اليوم غير مقبول من قبل أبنائهم.

وهكذا، يتصاعد الخلاف، وتزداد الفجوة بين الإخوة، ويضيق الخناق على المتضرر منهم، فيخرج من دائرة الصمت إلى العلن مطالباً بحصته في التركة، ومن ثم تبدأ المواجهة بين الأخ وأخيه، وبين الابن وأمه، وقد يتعدى الأمر حدود اللسان من شتم وسباب، إلى عراك بالأيدي، ومن ثم يتحقق المثل القائل «اللي ما يشتري يتفرج»!

حينئذٍ يدرك الجميع أن هذه (التركة) تحولت إلى حالة غير صحية تصيب صاحبها (وهو الأب)، وتفتك بأقرب الناس إليه، وتدخلهم في متاهة لا تحمد عقباها.

فهل من لحظة تأمل، يأخذ فيها الأب استراحة من انشغاله في جمع المزيد من الثروة، وقبل فوات الأوان، فيجمع أبناءه، ويبين لهم ما له وما عليه، والكيفية التي يجب عليهم التعامل بموجبها في ما تركه لهم من ثروة، فيكون ذلك بمثابة وصية يراعي فيها قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله واعدلوا في أولادكم» [رواه البخاري ومسلم]، وقوله صلوات الله وسلامه عليه: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث» [رواه أحمد وأصحاب السنن]؟!!

aaajoudeh@hotmail.com

كاتب فلسطيني - الرياض

مقالات أخرى للكاتب