Sunday 18/05/2014 Issue 15207 الأحد 19 رجب 1435 العدد

حَوجَن وسَوسَن .. وخواطر مسافر

بهمة ونشاط وضعت أمتعتي في السيارة التي أقلّتني إلى مطار جدة، متوجهًا إلى الرياض، في زحام الرحلات الجوية، فهذه أيام عطلة.

أخذتُ بطاقة الصعود إلى الطائرة، وتوقفت قبالة بوابة الصعود، حيث مكاني المفضّل .. زاوية بيع الكتب.. لقد أصبح شراء بعض الكتب من مكتبة أي مطار أنزل فيه بمثابة إجراء من إجراءات السفر اللازمة .. وهو أمرٌ ماتعٌ للغاية .. في هذه المرة غرقتُ في مجموعةٍ من الكتب الجديدة .. اخترتُ منها روايةً أثارت فضولي، واستطاع البائع الماهر أن يغريني باقتنائها، وما إن فرغتُ من اختيار الكتب ودفعتُ ثمنها حتى فوجئتُ بأنّ وقت إقلاع الطائرة بقيت له عشر دقائق فقط بينما أنا في غمرة المطالعة! هرعتُ أهرول إلى البوابة، ورجوتُ الموظف أن أُسارع بالصعود .. (الطيارة أقلعت! روح شوف انتظار) .. بهذه الكلمات حسم الموظف الموقف.. وبعد ساعتين من المحاولات اليائسة للحصول على مقعدٍ جديد عرفتُ أنه لم يبقَ أمامي لأصل إلى الرياض على الوقت إلا السفر برًّا! فلا أملَ في مقعدٍ على الطائرة .. لم أشعر بتأنيب الضمير، فقد بدا لي غرقي في الكتب عذرًا جميلاً لفوات الرحلة! وبروح من التفاؤل توجهتُ إلى موقف السيّارات المتجهة إلى الرياض، وبعد ساعة ونصف من عذاب البحث عن سائق مريح انطلقَتْ سيارتنا مع الغروب، وكنت بدأتُ من قبل أن نتحرك بقراءة الروايتين اللتين اقتنيتهما اليوم .. لتصبح رحلتي البرّية هذه متعةً رائعةً لم أُسلِم فيها عيني لرقدة النوم إلا مع اقتراب الوصول ..

(حَوجَن) رواية لإبراهيم عباس، نسجتها مخيلةٌ خصبةٌ للغاية، بلغةٍ سلسة، عن قصة حبّ بين جني وإنسية (حَوجَن وسَوسَن)، تدور أحداثها في وقتنا الحالي، في أجواء حياتنا المألوفة، أجرى كاتبها البارع الحوارات بين شخوصها باللهجة الدارجة (الجدّاوية)، واستطاع أن يسير بقرّائه في جوّ من الأحداث المثيرة، المتلاحقة، العفوية أحيانًا والمفاجئة أحيانًا أخرى، المليئة بالتشويق، الثرية بغير المتوقع .. المفعَمة بالعواطف البريئة والأحاسيس المرهفة والمواقف النبيلة .. وأن يعرض القيم والمثل العليا من البذل والتضحية والوفاء والعفة والحبّ والأنفة والثقة بالخالق تعالى في سياق أدبي ينساب دون وعظِ واعظ .. ينفذ إلى خلايا الوعي ويستقر في ثنايا الإدراك..

كان الصراع بين الخير والشر باديًا في تضاعيف الرواية، متمثلًا في شخوصها، يصل بالإنسان إلى زوايا حالكة ولحظات يائسة، ليعود فينهض بعدها بفضل الإصرار على الوصول إلى الهدف.. فنبل المقصد ونفوذ العزيمة كفيلان إذا اجتمعا بأن تكون الغلبة والظهور أخيرًا للخير..

معذورون أولئك الذين تشغلهم الروايات الأدبية، معذورون في شغفهم، لكنهم غير معذورين في ألّا يخرجوا من تلك الروايات بمعانٍ جديدة للحياة .. ما أسهل أن يتيه الإنسان عن نفسه وعن وعيه بالكون من حوله إذا أسلم نفسه لعوالم الأوهام .. وما أجمل أن يتخذ من قدرته على التوهّم قنطرةً إلى عالم الحقيقة.. حتى لو فاتته الطائرة!

إياد الغوج - الأردن

gm@arwiqa.net