Tuesday 20/05/2014 Issue 15209 الثلاثاء 21 رجب 1435 العدد
20-05-2014

مِن تاريخ الرومان من يجُل في محافظة معان في الأردن اليوم فسيمر بشيء مُبهِر، هو البتراء

مدينةٌ عريقة ذات تاريخ، وصفها الكاتب البريطاني جون بُرغِن في القرن قبل الماضي - لما كانت مُمتَنِعة عن الزوّار - في قصيدةٍ شهيرة، أنها بنصف عمر الزمن كله، وتمتلئ المدينة بآثار الأمم السالفة، منهم الرومان الذين حكموها قبل أكثر من ألفي سنة، ومن آثارهم هناك المدرج الروماني الذي يسع 8000 شخص، ولا نعلم قطعاً ما كان يتفرّج عليه أولئك الحاضرون، لكن المدرج يشابه غيره مما وُجِد في بقية مناطق الرومان والتي كانوا يقيمون فيها المجالدات بين المقاتلين، وهي مثل الملاكمة اليوم، فيجتمع الناس ليشاهدوا رجلين يتعاركان وهم من يُسمّون المجالدين («غلادييترز»)، غير أنه حالة الرومان، فقد كانت المقاتَلة تنتهي بموت أحدهما وسط تشجيع وتصفيق الناس.

ولم يكن هذا الغرض الوحيد من المدرج الروماني بل كانت العقوبات العامة تُطبّق فيه، وكانت السّباع هي المسؤولة! العقوبات لم تكن دائماً معقولة، فمن رفض الدين الروماني الوثني كان يُقتل بطريقةٍ وحشية، وذلك بأن يُغلقوا أبواب الساحة ويطلقوا عليه نمراً جائعاً فيقطعه إرباً أمام مرأى من الجمهور. ولم تقتصر هذه العقوبة على الموحّدين ممن رفضوا الشِّرك والوثنية، بل هذا ما فعله الرومان مع من استحقوا القتل على جرائم أخرى كذلك، فإذا جنى أحدهم جناية كبيرة أخذوه وأمَر الإمبراطور بوضعه في تلك الساحة، ومن ثم ينفتح باب خشبي وينطلق منه أسد جائع يقتل الجاني ، غير أنّ أحد الأباطرة استخدم هذا الباب الخشبي بطريقة غريبة في إحدى المرات، فقد أتوه برجل احتال على أميرة وباعها حلياً زجاجية لا قيمة لها، وكانت قد دفعت ثروة طائلة ظانة أنها حلي وجواهر حقيقية، فلما تبيّن لهم زيفها قبضوا عليه، وحكم عليه الإمبراطور أن يوضع في تلك الساحة وأن يواجه مصيره، فوضعوا المسكين في الساحة والناس قد اجتمعوا على المدرجات يرقبون مشهد القتل، وارتجف الجاني خوفاً لمّا بدأ الباب يُفتَح، وهو ينتظر زئير أسدٍ كاسر ينقض عليه ويمزق جسده، ولما فُتِح الباب الخشبي الكبير على آخره وإذا بالحيوان يخرج، إلاّ أنّ الحيوان كان دجاجة! لم يصدق الرجل عينيه ونظر مدهوشاً لهذا المشهد الغريب، فالتفت هو والناس إلى الإمبراطور الذي قال: «كما خَدَعَنا هذا الرجل بجواهره الزائفة فإننا اليوم خدعناه بهذه الدجاجة». وضجّ المشاهدون بالضحك ورجع الجاني لبيته سالماً.

من بين ثنايا التاريخ الوحشي .. تَبْرز أحياناً طرائف تجعل الإنسان يتنفّس قليلاً.

Twitter: @i_alammar

مقالات أخرى للكاتب