Thursday 22/05/2014 Issue 15211 الخميس 23 رجب 1435 العدد
22-05-2014

صناعة السياحة في موسم الصيف القادم: أين نذهب؟

مع اقتراب موسم الصيف يبدأ الجميع في سؤال أنفسهم أين نذهب؟

لا شك تغير السعوديون كثيرا فبدأت فكرة السفر للترويح تأخذ حيزا أساسيا من مدخراتهم ولم تعد حدثا سنويا يفكرون فيه كثيرا.

امتلأت البيوت بالشباب الذين بدأت احتياجاتهم تضغط على أفراد الأسرة وبدأ صيف الرياض وغيرها من المدن الصحراوية القاحلة في المملكة يفرض نفسه ويفرض على الأهالي فكرة الهرب إلى أي مكان.

سياحة الداخل تبدو عقيمة إلى حد ما في مواجهة ارتفاع الطلب المحلي على السياحة عموما بتغير مفهوم السعودي لثقافة الترفيه خاصة والسياحة الداخلية شئنا أم أبينا وبمواصفاتها الحالية لا تلبي احتياجات الفئات الشابة ولذا لا أظن أن هناك جدوى من ترديد المقولات الرسمية في الدعوة لها فطالما لم نستطع حل الإشكالات الاجتماعية والثقافية المرتبطة بهذه السياحة فلن تقوم لها قائمة وستبقى السياحة الأكثر أهمية لنا داخليا هي السياحة الدينية.

أغلقت الثورات العربية للأسف الكثير من المنافذ المعتادة والرخيصة في العالم العربي مثل مصر وسوريا فاضطر الكثيرون إلى طرق بوابات المدن الأكثر شهرة في العالم مثل لندن وباريس أو في الشرق حيث دول جميلة ودافئة مثل ماليزيا وإندونيسيا وسرا تايلند!

معنى هذا أن مئات الآلاف من الأسر السعودية ستشد رحالها إلى أحد الوجهات خارج المملكة كل حسب ميزانيته لكن يبقى أن هذه الأسر وبضغط من القوى الشابة فيها مضطرة لتغيير نمط صرفها ومعيشتها حتى تتوافق مع الاحتياجات المتجددة لفئة الشباب داخل هذه الأسر وهو ما أثر على نمط الاستهلاك داخلها.

والسؤال الذي يتبع هو:

ما هي يا ترى خصائص الأسر السعودية التي تسيطر على سوق السياحة؟ وما مستواها التعليمي ونمط إنفاقها الاقتصادي؟

تبعا لبعض الملاحظات والقراءات الشخصية يمكن القول إن الأسر السعودية الجديدة هي أسر متعلمة نسبيا أي أن الأم والأب معا حصلا على قسط من التعليم وقد يكونا أيضا موظفين وبعدد أقل من الأطفال مما كانت عليه أسرهم التي جاءوا منها.

الأب لم يعد هو من يحدد وجهة الذهاب بل رغبات الأبناء واحتياجاتهم وأذواقهم... وفي الغالب تتحدد وجهات السفر بما هو شائع بين أصدقائهم.

فمثلا وحسب البيانات التي أصدرتها بريطانيا قبل أيام وانتشرت على نطاق واسع فقد صرف السعوديون السنة الماضية وفي بريطانيا لوحدها وفي الغالب في عاصمة الضباب لندن ما يقارب مليار جنيه استرليني أي ما يعادل ستة مليارات ريال سعودي أي أن السعوديين الشباب يحبون أن يذهبوا للمكان الذي سيجدون فيه غيرهم من السعوديين وهل غير لندن حيث يلتقي الجميع ؟؟؟

هناك نمو هائل لقطاع السياحة لم نعتد عليه ولا أعتقد أننا نفهمه أو نستثمره بالشكل الذي يستحقه بعد والأرقام مذهلة فعلا في هذا المجال فكما أوردت بعض التقارير الصحفية أنفق السعوديون في رحلاتهم الصيفية الخارجية العام الماضي أكثر من 80 مليار ريال أي أن الأسر السعودية مستعدة للدفع للتوافق مع رغبات الأبناء حيث تشير بعض التقارير إلى أن السائح السعودي هو الرقم الأول في الإنفاق سياحيا إذ يصرف في سفرته ثماني مرات ضعف ما يصرفه السائح الغربي !!!

هذا النمط من الاستهلاك لم يكن مألوفا ..ديمقراطية الأسرة الجديدة والعلاقة المتغيرة بين الآباء والأبناء وتحول الوالدين في علاقتهما بأبنائهم من النمط الأوتوقراطي المتسلط المطلق (من الأب إلى من يعولهم زوجة وأبناء) إلى علاقة أكثر تفاعلية وديمقراطية (وهذا موضع خلاف بالطبع ويمكن أن يناقش كثيرا) إلى أنه وبشكل عام ومهما اختلفنا في توصيف نوع العلاقات العائلية الحالية داخل الأسرة السعودية الجديدة فهي بلا شك أكثر ديمقراطية وأقل تسلطا من ذي قبل أي من جيل آبائهم الأسرة الجديدة، أسرة اليوم تأخذ في حسبانها رغبات أبنائها حتى لو لم يعبر الوالدان عن ذلك بشكل مباشر.

هذا يوضح لنا أن هناك قوة شرائية هائلة في بلادنا يقودها أبناء العائلات الجديدة في السعودية فالقليل من الأمهات مثلا تستطيع أن ترفض طلبا لبناتها كما أن رغبات الأبناء الذكور بين الآباء تعتبر أوامر وليست رغبات (يرى بعض التربويين أن الأسر الجديدة قد مارست قدرا كبيرا من التدليل لأبنائها كما يرى د. محمد الخطيب في كتابه الجميل والبليغ والذي للأسف لم ينل ما يستحقه من اهتمام بعنوان ثقافة الدلال !!)

من هنا .. يبدو ضروريا تتبع ودراسة ظاهرة قبول مبدأ الترفيه في الثقافة السعودية وما يتبع ذلك من أنماط سلوكية واقتصادية تؤثر على نمط استهلاك الأسرة وعلى مدخراتها وعلى حركة الاقتصاد بشكل عام وتعني مثلا التخطيط قبل السفر كما تعني أنه لا داعي للسعودي أن يصرف ثماني أضعاف الأجنبي طالما وهبنا الله عقلا نحكمه وجوجل نستخدمه لنعرف الأرخص خاصة وأن المواطن السعودي هو (تقريبا) الأقل دخلا مقارنة بالأشقاء الخليجيين وبالتالي فنقودنا تدخل جيوبنا بعد جهد جهيد ونحتاج أن نرعاها إضافة إلى ضرورة أن تتغير فكرة السياحة من كونها هروبا من بيئة محلية مليئة بالتعقيدات الثقافية والسياسية وجو حار ومغبر ولذا فلدينا عذرنا، فرحلتنا تعني (تغييرا للجو) لننتقل منها إلى كون السفر إضافة إلى تغيير الجوهو أيضا فرصة مهمة للنهل من المنابع الثقافية والفنية للدول التي نزورها وهذا موضوع آخر يستحق المناقشة.

مقالات أخرى للكاتب