Wednesday 28/05/2014 Issue 15217 الاربعاء 29 رجب 1435 العدد
28-05-2014

الشيخ عبدالله السويلم المسؤول الأول عن شؤون المواطنين.. عاش سعيداً ومات حميداً

بالأمس القريب أفل واحد من رجال الرعيل الأول في الوطن السعودي، وكان من المخلصين الذين مارسوا الأداء الرسمي والعمل الإنساني، وبقي يعمل بكل جد وإخلاص في ظل قيادات ملكية أربعة وقضى أعماله في المجتمع السعودي رجالاً ونساء، وكان ذو منصب بارز في الديوان الملكي أطلق عليه عندما أعلن عنه في عهد الأمير فيصل بن عبدالعزيز عندما كان ولياً للملك سعود بن عبدالعزيز -طيب الله ثراهم.

والراحل الفقيد هو فضيلة الشيخ عبدالله السويلم، وهو من أسرة معروفة في الوطن السعودي، وعلم خلال فترة زمنية طويلة قد تقارب على نصف قرن هجري. ونال ثقة القيادات السعودية وتقديرها وأصبح اسمه مخلداً بين المواطنين، لأن مهمته تختص بالعمل الاجتماعي والإنساني، وكان يشرف عليها الملك عبدالعزيز بنفسه ويقف على حاجات أبناء الوطن وأكثرهم من العشائر والقبائل التي كانت تعيش في الصحراء الرملية الذهبية، وتنتقل في هذه الصحراء القاحلة طلباً للمياه والرعي للإبل التي هي مصدر حياتها ومعاشها.

ويحدثنا التاريخ السعودي بأن الملك عبدالعزيز كان يبدي كل اهتماماته لرفاهية المواطن السعودي للعيش بكرامة الإنسان التي أقرتها الشريعة الإسلامية، وهو يعالج قضايا شعبه وحاجاته وتحقيق مطالبه الحقة.

ومن أقوال الملك عبدالعزيز في مجالسة المفتوحة لأبناء وطنه: «إننا نبذل النفس والنفيس في سبيل راحة هذه البلاد وحمايتها من عبث العابثين، وأرى من واجبي ترقية جزيرة العرب، والأخذ بالأسباب التي تجعلها في مصاف البلاد الناهضة، مع الإعتصام بحبل الدين الإسلامي الحنيف»، ويؤكد الملك عبدالعزيز لمواطنيه: «وإنني أعتبر كبيرهم بمنزلة الوالد، وأوسطكم أخاً، وصغيركم ابناً فكونوا يداً واحدة، وألفوا بين قلوبكم لتساعدوني على القيام بالمهمة الملقاة على عاتقنا».

وأمام هذا التصور الذي انطلق به الملك عبدالعزيز للعناية بشؤون المواطنين وحاجاتهم، وكان يشرف بنفسه على شؤون الشعب، فقد أصدر بياناً وجهه لشعب المملكة قال فيه: «على كل فرد من رعيتنا يحس أن ظلماً وقع عليه، أن يتقدم إلينا بالشكوى، وعلى كل من يتقدم بالشكوى أن يبعث بها بطريق البرق أو البريد المجاني على نفقتنا وعلى كل موظف بالبريد أن يتقبل الشكاوى من رعيتنا ولو كانت موجهة ضد أولادي، أو أحفادي، أو أهل بيتي.. وليعلم كل موظف يحاول أن يثني أحد أفراد الرعية عن تقديم شكواه، مهما تكن قيمتها، أو حاول التأثير عليه ليخفف من لهجتها أننا سنوقع عليه العقاب الشديد».

وقال الملك عبدالعزيز: «لا أريد في حياتي أن أسمع عن مظلوم، ولا أريد أن يحملني الله وزر ظلم أحد، أو عدم نجدة مظلوم أو استخلاص حق مهضوم. اللهم قد بلغت... اللهم فاشهد».

وهذا البيان الملكي أصبح إعلاناً رسمياً من ملك المملكة لمواطنيه، ووضع في لوحة إعلانات معلقة على جدار المسجد الحرام في مكة المكرمة وعلى جدار المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، بهدف لفت نظر حجاج بيت الله الحرام والحفاظ على أموالهم وأمنهم في الديار المقدسة.

وأثناء مرض الملك عبدالعزيز في الطائف استدعى ولديه الأمير سعود ولي عهده، والأمير فيصل المسؤول عن منطقة الحجاز، وقال لهما: «الشعب السعودي بكل فئاته، والمسلمون أنتم مسؤولون عنهم، وهم متعلقون بكم، يجب عليكم أن ترفعوا شأن الإسلام، وتجمعوا كلمة العرب وتخدموا شعبكم».

لقد ترك هذا التوجيه الملكي أثره في نفس الأمير فيصل وأهمية خاصة للعناية بشؤون المواطن وقيام حركة إصلاح إنساني للشعب السعودي لكل أطيافه وخاصة العشائر والقبائل الذين يعيشون في الصحراء لتوطينهم وليشعروا بالوطنية المحببة وإقامة نواة مجتمع جديد لجميع القبائل، ومن واجب الدولة فرض المواطنة بمعناها الحقيقي الإنساني لتستقر هذه القبائل مع أسرهم في وطنهم وكسب العيش بدلاً عن طريق الغزو المحرم في شريعة الإسلام والقتل والسلب بين القبائل المتنافسة على الحياة، وقمع الفتن والفوضى المنتشرة في صحراء الجزيرة العربية. لذلك وجد الأمير فيصل بأن ارتباط القبائل وهم أبناء الوطن الحقيقيين بروح الدين الإسلامي وهو ما يرغبه الوالد العظيم وتحقيق الرفاهية لأبناء الوطن.

أن نظام المملكة العربية السعودية بالنسبة لشعبها هو نظام أخلاقي اجتماعي للشعب، إنه حضاري يؤمن الحق للجميع، ويقوم على العدالة والمحبة، والعدل هو أساس الحكم في شريعة الإسلام، وخدمة الوطن والمواطنين إنما هي مسؤولية كبيرة مميزة للحفاظ على شرف المواطن، ولا وجود لوطن متماسك إلا بالمواطنين الأوفياء المؤمنين بالوطن.

وقال الشاعر العربي الكبير أحمد شوقي:

وللأوطان في دم كل حر

يد سلفت ودين مستحق

فيا وطني لقيتك بعد يأس

كأني قد لقيت بك الشبابا

واختار الأمير فيصل بن عبدالعزيز الشيخ عبدالله السويلم لتولي هذا المنصب الإنساني لذلك تعتبر المملكة العربية السعودية بأنها الوحيدة في العالمين العربي والإسلامي التي أوجدت هذا المنصب الاجتماعي، وهي فخورة به لأن الملك عبدالعزيز دفع شعبه بأسره من طور قبلي إلى طور حضاري أكثر تقدماً ورقياً لدولة عريقة في المجتمعات، حيث حول مجتمع شبه الجزيرة العربية من قبائل متقاتلة إلى شعب يتمتع بالمواطنة اللائقة والاستقرار ونقله من طور شديد التخلف إلى مجتمع حضاري بلغ أكثر تقدماً، وأعلى مستوى في سلم الحضارة الاجتماعية، وأوجد نظماً مكتوبة حديثة، استواحها من شريعة الإسلام السماوية والتي بدأها عملياً والده الملك عبدالعزيز، وجعل الشريعة الإسلامية من المبادئ الثابتة لشؤون الدولة في الشأن الداخلي بهدف إعلاء كلمة الله والدين والعقيدة، كما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجت جزيرة العرب من حقبة طويلة أغرقتها في الظلام إلى دنيا مشعة بالنور والعلم والعرفان.

لذلك العدل في الإسلام ذو قيمة يلتزم بها المسلم المؤمن في كل الأحوال، في قوله تعالى {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} (58) سورة النساء.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (8) سورة المائدة.

وهذا الرقي الذي بلغه الوطن السعودي الذي بدأه الملك عبدالعزيز، قد انتقل إلى جميع أبناء الملك الراحل الذين تقلدوا مناصب الملك، فالمواطن السعودي يعيش بكل هناء في وطنه أرض الآباء والأجداد. فالوطنية ليست المحافظة على أرض أبنائنا بمقدار ما هي حماية أرض أولادنا وأحفادنا.

ويؤكد الملك عبدالعزيز في مجالسه المفتوحة لمواطنيه يقول: «كل فرد من شعبي جندي وشرطي. وأنا أسير وإياهم كفرد واحد، لا أفضل نفسي عليهم، ولا أتبع في حكمهم، غير ما هو صالح لهم».

ويقول: «يعلم الله أن كل جارحة من جوارح الشعب تؤلمني. وكل شعرة منه يمسها أذى تؤذيني. وكذلك الشعب، فإنه يتألم إذا أصابني أي شيء. ولكن المصلحة العامة تضطرني أن أقضي على من لا يصغي للنصح والإرشاد، وأن أتجرع ألم ذلك حفظاً لسلامة المجموع». وهذه المعلومات التي قدمتها للقارئ نقلاً عن جريدة أم القرى.

وهذا التقديم الموجز عن الأسباب التي دفعت الملك فيصل -رحمه الله- لإيجاد منصب لشؤون المواطنين في الديوان الملكي باعتباره ذا أهمية كبيرة في الوطن السعودي، واختيار الشيخ الجليل عبدالله السويلم - رحمه الله- وكان الرجل المناسب في المنصب المناسب.

وعندما أكتب عن الفقيد الراحل لأنه كان صديقاً عزيزاً وبدأت معرفتي به يوم الاثنين السابع والعشرين من جمادى الثانية عام 1384هـ الموافق عام 1964م وكنت أتردد على المملكة العربية السعودية لتغطية الأحداث المهمة لنشرها في صحيفة (الحياة) اللبنانية التي أسسها أستاذي الكبير كامل مرورة عام 1946م وكانت الجريدة العربية الوحيدة المسموح لها بالتوزيع في المملكة في عهد الملك فيصل وكنت أحضر مجالس الملك فيصل المفتوحة وكان يقف بجانبه الشيخ السويلم ليتلقى مطالب أبناء الشعب ورسائلهم المرفوعة لاتخاذ القرار بشأنها.

وقد نال الشيخ السويلم ثقة الملك فيصل لأنه كان أميناً على مسؤولياته، وهو صامت ولا يتفوه بشيء عن إجراءات الملك بشأن المساعدات اطلاقاً، وكنت ألتقي به خلال تنقلات الملك فيصل في الرياض العاصمة، وجدة باعتبارها عاصمة الدولة الدبلوماسية في ذاك التاريخ، وفي مدينة الطائف المقر الصيفي للمملكة.

وكان فضيلته بعد انتهاء عمله الرسمي يتوجه لغرفته في الفندق ويقوم بالعبادة والصلاة وقراءة الكتب الإسلامية التي يحملها معه في تلك الرحلات.

وعندما ألتقي به في تلك الرحلات أراه طليقاً في عرض الحديث عن أمور الشريعة الإسلامية، ويؤكد بأن شرعيتنا تمثل أكبر حضارة لأمة الإسلام وهي تعبير إلهي ثقافي يأخذ دوره في تاريخ الأديان، لأن شريعة الإسلام كمسيرة وإيمان نحو الله تعالى، واكتمال الإنسان بالله وقد عبرت عنه صفحات مطهرة روحانية من الفكر الإسلامي. وأن القرآن المنزل هو الحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ونزل هدى الله لدينه القويم.

وفي الحقيقة إنه إنسان فرض احترامه على أصدقائه ومعارفه، إنه شخصية صاحب حكمة وعقل وقلب رقيق، إنه محترم لدى الجميع، صاحب ابتسامة رقيقة وترافقها روح مرحة.

فهو رجل لائق في كل مسؤولياته وغايته المثلى خدمة أبناء الوطن، وصاحب مروءة في الواجب ولا يريد الإطراء والتملق عن نفسه، إنه شريف النفس بواجباته، باعتباره صاحب أخلاق عربية أصلية تنطبق عليه ما قاله الشاعر العربي الأصيل أحمد شوقي:

أحب مكارم الأخلاق جهدي

وأكره أن أعيب وأن أعابا

وأصفح عن سباب الناس حِلما

وشر الناس من يهوى السبابا

ومن هاب الرجال تهيبوه

ومن حقر الرجال فلن يهابا

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم

فأقم عليهم مأتماً وعويلا

لذلك فالأخلاق قوة ونفوذ، وهي تكسب أصدقاء وتجلب حماية معاضدة وتفتح طريقاً للشرف والسعادة. إن أخلاق الإنسان لا تصنعها المحن والتجارب بل هي تظهرها على حقيقتها تكشفها. لذلك فإن الشيخ السويلم -رحمه الله- كان يعمل بتفكير جيد لأنه يتمتع بأخلاق عربية مجيدة.

وعندما أحيل الشيخ بن سويلم على التقاعد وكان يقيم في قصره العامر في منطقة تتفرع منها شوارع متعددة لشارع الأمير سلطان بن عبدالعزيز وهو شارع طاهر الزمخشري ومن شارع أحمد عبدالغفور عطار وأصبحنا نلتقي خلال تأديتنا فروض الصلاة يومياً وصلاة الجمعة وصلاة التراويح في شهر رمضان المبارك في جامع بدر في شارع شجاع بن وهب ونجلس بجانب بعضنا في الصف الأول خلف الإمام الشيخ الدكتور صالح السدلان -حفظه الله- وهو محدث طليق في أمور الدين وكان يحدث المصلين بشؤون العقيدة الإسلامية وتسامح الشريعة الإسلامية.

وكان يقيم في المنطقة أسر كريمة منها آل مبارك الضليعة بأمور الدين. وكانت تلك الأسر تجتمع صباح عيد الفطر في ساحة أمام الجامع وتفرش الساحة بالسجاد ويصحب معهم بعض المصلين المأكولات المشهورة في العيد ويتبادل الجميع التهنئة بالمناسبة الكريمة ثم نتناول الأطعمة المتنوعة وكان بادرة اجتماعية لن تنسى.

وكنا نتبادل الزيارة مع الإمام السدلان في منازلنا بالترحيب اللائق. وبعد أعوام نقل ابن سويلم مقره السكني وعاد إلى منطقة البديعة وأقام فيها حتى رحل لدار البقاء.

لقد وظف حياته لأبناء المملكة وكان مثله الأعلى في كل حياته. والحقيقة لم أقل شيئاً عن الصديق ابن سويلم، بل سرد وباختصار عمله الإنساني الاجتماعي، وقد مات وفي مخزونه الفكري تاريخ حياته.

رحم الله الفقيد الجليل وجزاه خيراً على كل أعماله الإنسانية في هذا الصرح الحضاري الإسلامي في تاريخ المملكة العربية السعودية وأسكنه في جنات الخلد. وتعازينا لمعالي الشيخ محمد بن سويلم ابن الفقيد الراحل وإخوانه وأسرتهم وقد خلفه ولده (أبو مشاري) في هذه المسؤولية الإنسانية التي تولاها منذ عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -متعه الله بالصحة والعافية- وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولي ولي عهد المملكة، وقد تتلمذ على أيدي والده الراحل الصالح، وحفظ الله قيادتنا الحالية وهم يتابعون مسؤولياتهم نحو شعبهم المؤمن بعدالة الله تعالى الحق وقدرته.

وأردد هذا البيت عن الفقيد الجليل ابن سويلم لأبي تمام حيث يقول:

عليك سلام الله وقفا فإنني

رأيت الكريم الحر ليس له قبر

وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (57) سورة العنكبوت.

رحم الله الشيخ عبدالله سويلم وأسكنه فسيح جناته وألهم أسرته الصبر والسلوان و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}

مقالات أخرى للكاتب