Monday 02/06/2014 Issue 15222 الأثنين 04 شعبان 1435 العدد
02-06-2014

فضل هوليوود على (العنف) الأمريكي

أزعم أن القراء في غنى عن توضيح تأثير السينما والإعلام المرئي بشكل عام على ثقافة وسلوك الجمهور أينما كان.

الغريب أن يمتد تأثير هذا النمط من الإعلام إلى مجتمع يعتبر متقدما علميا وتقنيا وفي مقدمة المجتمعات في العالم اقتصاديا كذلك، وهو المجتمع الأمريكي.

في الأسبوع الماضي حمل اليوت روجرز سلاحه واتجه إلى أحد شوارع هوليوود وبدأ بإطلاق النار فقتل ستة أشخاص وجرح

أربعة عشر آخرين، في جريمة ليست جديدة على المجتمع الأمريكي وإن كانت مستنكرة، إنما الجديد هو الالتفاتة العابسة من قبل سياسيين وأكاديميين وصحافيين إلى هوليوود، عاصمة السينما الأمريكية بل والعالمية معتبرينها مسئولة عن إذكاء نار الجريمة في المجتمع الأمريكي ومعه الدولي عموما، بإنتاجها أفلاما تروج للعنف والقتل والرذيلة وأنواع الجرائم الأخلاقية. هل هي صحوة اجتماعية متأخرة واعتراف طالما جادل المجتمع الأمريكي بشأنه، بتعليق ظواهره الاجتماعية ومشاكله الأخلاقية على جدار الحرية؟

كتب نورمان باتي في صحيفة نيوهيفين ريجستار يقول: (بالغت أفلام ومسلسلات هوليوود في تصوير العلاقة بين الجنسين حتى صار كأنه أهم شيء في حياة الناس. وها هو صبي عمره 22 سنة يشتكي بأنه لم يمارس علاقة مع فتاة ليس كزوج ولكن للمتعة وكأن العلاقة من أجل المتعة حق من الحقوق الطبيعية للناس).

محررة الشئون السينمائية هورنادي في صحيفة (واشنطن بوست) كتبت تقول: (ربما لا تعكس الأفلام السينمائية الواقع وحياة الناس اليومية لكنها تؤثر تأثيرات قوية ليس فقط على ما نفكر فيه ولكن على ما نتوقع، صار كل واحد يسأل لماذا لا أكون مثل الذين أشاهدهم غنيا مشهوراً جميلاً وقوياً).

يتضح من هذه الكتابات التي تمثل إطلاق صيحة تحذير لم نعهدها لدى الأمريكيين أو أن مثل هذه التحذيرات كانت خجولة وبصوت هامس، أن الأمريكيين كانوا بحاجة إلى جرائم حقيقية حتى يفيقوا من غفلاتهم ويفرقوا بين التمثيل والواقع، وإلا هل هناك أشنع من قتل تلاميذ في مدارسهم من قبل زميل لهم أو غيره. أقول هذا وبكل أسف يستحضر الذهن ما يجري في بعض البلاد العربية من قتل يشيب له الرأس، وتلك ذكرتنا بهذه، وإلا فنحن في ذكر تأثير السينما في معقل صناعتها وثقافتها على مجتمع يفترض أنه يفرق بين التمثيل والخيال وبين الواقع والقيم وسلامة المجتمع.

من كتابات هذا القاتل الموتور التي أوردتها تفوح رائحة عنصرية مقيتة ما زالت بواقيها برغم إلغاء التفرقة العنصرية في أمريكا بسبب اللون أو العرق أو الدين. ولعل قارئ كلماته التي دونها في (فيس بوك) عن الفتيات يلحظ هوسا جنسيا برغم حرية الاختيار وحرية إقامة العلاقات دون زواج واقصد بها الحرية المنفلتة التي تحتاج إلى حرية، فالإنسان بمحدودية عقله وقدراته النفسية مقارنة بسعة الكون بما فيه بحاجة إلى ضوابط تعيده إلى جادة الصواب وهو ما تعانيه المجتمعات العلمانية عموما إذ إنها في مراوحة بين الحزم في القوانين ومراعاة الحرية الفردية حسب ثقافتها.

وللتذكير فمعدل جرائم القتل انخفض في الولايات التي أعادت تطبيق عقوبة الإعدام في حق القاتل، سنة الله في خلقه التي تخلت عنها بعض المجتمعات البشرية فتخلت عنهم نعمة الأمن.

أيضا وحتى لا نجانب الإنصاف، فإن هذه الصيحة من هؤلاء الساسة والمثقفين والصحافيين وما كتبوه يؤكد حقيقة أن لكل مجتمع عقلاءه وحاملي مشاعل التنوير فيه والغيورين عليه وعلى سلامته، كما لا ننسى أن من مزايا المجتمعات الغربية عموما والمجتمع الأمريكي بصفة خاصة أنهم يناقشون مشاكلهم وقضاياهم بكل وضوح ومصارحة ولا يدفنونها في تراب الإهمال والتصنع، وهذه إيجابيات تحسب للمجتمعات غير المنغلقة عموما.

بقي أن نقول إن السينما فن راق وترفيه يرقى بالذائقة الجمالية والاجتماعية، ووسيلة تثقيف وتوعية إذا استخدمت بطريقة حضارية لا تصطدم بالقيم أو تحط منها، أليست هي امتدادا للمسرح وما يمثله من محاكاة للحياة ودروسها وعبرها، وليت بعض القنوات الفضائية التي تدار بأموال سعودية تراعي هذا وتوقف عرض نفايات سينمائية لا تشبهنا، ورحم الله مصطفى العقاد صاحب (الرسالة) و(عمر المختار)..

صحبكم الله.

romanticmind@outlook.com

تويتر @romanticmind1

مقالات أخرى للكاتب