Tuesday 03/06/2014 Issue 15223 الثلاثاء 05 شعبان 1435 العدد
03-06-2014

أخطاء ارتُكبت في تشخيص مشكلات التعليم

تحدثت الأسبوع الماضي عن أهمية تشخيص مشكلات التعليم حتى نضمن أن ما نتخذه من خطوات تطويرية تصب فعلاً في حل تلك المشكلات، فدون ذلك قد نُسيء من حيث نعتقد أننا نصلح ونطور، وللتأكيد على هذه الحقيقة سأستعرض بعض الأخطاء الواضحة التي ارتكبناها في تشخيص مشكلات التعليم خلال السنوات الماضية، والتي قادتنا إلى حلول أضرّت بالتعليم، أو على أقل تقدير كانت جهوداً مهدرة دون نتائج إيجابية:

1 - أمام الواقع المرير لتعليمنا العام والتدهور المستمر في مخرجاته، هناك من رأى أن الحل في إلغاء الامتحانات في المرحلة الابتدائية واستبدالها بالتقويم المستمر، والذي قادنا إلى تدهور إضافي مهول في مخرجات التعليم، بحيث أصبح معظم الطلاب يتخرجون من الابتدائية دون حتى تعلم مبادئ القراءة والكتابة، رغم أنهم يحملون شهادة تؤكد أنهم قد أتقنوا كافة المهارات المطلوبة في هذه المرحلة المهمة من تعليمهم.

فتطبيق أسلوب التقويم المستمر كان يتطلب هيئة تدريسية تملك الدافعية المناسبة، وهيكلاً إدارياً وتعليمياً يمتلك برامج رقابة عالية الكفاءة تضمان فاعلية التنفيذ، كما يتطلب عدداً محدوداً من الطلاب في الفصل الدراسي ما يضمن حداً أدنى من العناية الفردية لكل طالب وطالبة في الفصل، وكلها متطلبات غير متوفرة، ومن المذهل ألا يدرك من وضع وأقرّ تطبيق هذا الأسلوب هذه الحقيقية الواضحة للعيان، فتكون النتيجة أن يزداد التعليم تدهوراً في الوقت الذي نظن أننا نقوم بجهود لتطويره.

فقبل تطبيق التقويم المستمر كانت الأسر تتابع سير أبنائها دراسياً وتساعدهم على مراجعة دروسهم على الأقل في مواسم الامتحانات، أما في ظل التقويم المستمر فقد أصبحت معظم الأسر تكتفي بالاطلاع على نتائج التقويم المستمر التي تظهر إتقان أولادهم للمهارات المطلوبة، رغم قناعتهم الأكيدة بعدم دقة هذه التقارير ومبالغتها الشديدة في تحديد مستويات أبنائهم وبناتهم، حيث لم يعد أمامهم أي وسيلة للمساهمة في تحسين مستوى تحصيل أبنائهم بإلغاء الامتحانات.

والغريب أن وزارة التربية استغرقت ما يزيد على عشر سنوات حتى تدرك ما أدركه الجميع من أن قرار إلغاء الاختبارات كان خطأ فادحاً يلزم تصحيحه.

2 - أمام التدني الشديد في تحصيل معظم الطلاب في مادة اللغة الإنجليزية، رؤي أن الحل السحري لهذه المشكلة أن يبدأ تدريس اللغة الإنجليزية في الصف السادس بدلاً من الصف الأول متوسط، والآن حتى بدءاً من الصف الرابع الابتدائي.

وكان الأحرى أن ندرك أن هذا التدني في التحصيل ليس خاصاً باللغة الإنجليزية، وأن هناك تحصيلاً محدوداً جداً في كافة المواد بما في ذلك تلك التي يبدأ تدريسها في الأول الابتدائي وليس حتى في الرابع الابتدائي، وأن معظم الطلاب الملتحقين بالمدارس الأهلية والذين يدرسون اللغة الإنجليزية بدءاً من مرحلة الروضة والتمهيدي وليس حتى من الرابعة الابتدائية لا تزيد حصيلتهم الإنجليزية كثيراً على أقرانهم في المدارس الحكومية.

ما يُؤكد أن المشكلة ليست في عدد سنوات دراسة اللغة الإنجليزية، وبالتالي فإن الحل لا يمكن أن يكون في زيادة عددها وأن هناك مشكلات أعمق تواجه نظامنا التعليمي حدّت من مستوى تحصيل الملتحقين به ومن الخطأ تبسيطها بهذا الشكل المخل الذي لا يمكن أن يوصلنا إلى حلول فعّالة.

3 - أمام الضعف الشديد في حصيلة خريجي التعليم العام في الرياضيات والعلوم الطبيعية رأى البعض أن السبب في ذلك يعود إلى كثافة المواد الدينية والعربية وقلة الوقت المخصص للرياضيات والعلوم.. ورغم اتفاقي الشديد مع أهمية زيادة حصة الرياضيات والعلوم الطبيعية في مناهج التعليم العام، إلا أن هذا بحد ذاته لا يُمثّل حلاً للمشكلات الحقيقية التي تسببت في تدني تحصيل الطلاب في هذه المواد.

فلكي تكون المشكلة في كثافة المواد الدينية واللغوية على حساب الرياضيات والعلوم الطبيعية فإن خريجي التعليم العام يجب أن يتصفوا بحصيلة قوية في الدين واللغة العربية، فنجدهم على سبيل المثال قد حفظوا المعلقات العشر وعشرات الأجزاء من القرآن الكريم في الوقت الذين يتصفون بضعف في حصيلتهم في الرياضيات والعلوم الطبيعية، لكن الواقع يظهر أن تحصيلهم في علوم الدين واللغة حتى أقل تدنياً من حصيلتهم في الرياضيات والعلوم الطبيعية، فالكثير منهم بالكاد يحفظ سورة الفاتحة، وقد يجد حتى صعوبة في أن يقرأ ويكتب.

بالتالي، فالقول بأن مشكلة التعليم هي في هيكلية المناهج التعليمية هروب إلى الأمام وادّعاء يفتقر إلى المصداقية، سيقودنا حتماً إلى حلول ستفشل في تمكيننا من التغلب على المشكلات الحقيقية التي تواجه نظامنا التعليمي.

هذه الأمثلة تظهر أننا مطالبون أكثر من أي وقت مضى باستثمار أكبر جهد ممكن في تشخيص مشكلات نظامنا التعليمي بشكل سليم، كما تؤكد أن هناك مشكلات أعمق وأعصى على الحل تتسبب في تدني مستوى مخرجات نظامنا التعليمي ومع ذلك لم نعرها اهتمامنا حتى الآن، ما جعلنا ندور في حلة مفرغة نُهدر من خلالها جهوداً وموارد ضخمة فيما يواصل تعليمنا العام أداءه المتراجع عاماً بعد عام.

alsultan11@gmail.com

أكاديمي وكاتب اقتصادي *** on twitter @alsultanam

مقالات أخرى للكاتب