Wednesday 04/06/2014 Issue 15224 الاربعاء 06 شعبان 1435 العدد
04-06-2014

أفضل هدية قدمها وزير تعليم لوطنه

أنقل عن المؤرخ الامريكي ستيفن تيرنر من أطروحته للدكتوراه عام1972م إلى جامعة برينستون الأمريكية: «ما بين 1790م و 1840م بدأت أولى مراحل التطبيق للتعليم الأكاديمي الحديث. بحلول عام 1840م أصبحت علوم الطبيعة والمادة و الرياضيات والتاريخ واللسانيات تحتل الأولويات في المناهج التعليمية وفرضت نفسها كمهمات أساسية للتعليم الأكاديمي حتى اليوم. كان للعلماء الألمان الدور الرئيسي في هذا التطور في السياسات التعليمية على مستوى أوروبا.»

حصلت النقلة النوعية في منتصف القرن التاسع عشر عندما تحولت المعاهد والجامعات الألمانية بالكامل إلى مؤسسات للبحث العلمي. إخضاع مناهج التعليم لمصلحة الأبحاث العلمية فرض خمسة أنواع من التجديد فيها:

1. أصبح منح درجة الأستاذية مرتبطا بتقديم بحث علمي مجدد و رائد في مجاله و شرطا لازما للحصول على كرسي الأستاذية.

2. اضطرت الجامعات والمعاهد لتحديث البنيات التحتية فيها (المكتبات، دوريات اللقاءات الحوارية العلمية = السيمينارات، والمختبرات اللازمة للبحوث، قاعات المحاضرات الضخمة).

3. تحوير و تحويل التعليم نحو تعليم الطلاب مهارات و طرق البحث العلمي و ليس تلقين المعلومات.

4. التركيز على الاكتشافات والاختراعات الجديدة كأهداف للأبحاث.

5. اعتبار الأستاذ الأكاديمي عضوا إداريا مسؤولا في مؤسسته الأكاديمية، وأيضا عضوا إشرافيا مسؤولا في مجموعته العلمية البحثية في نفس الوقت.

بناء على هذه المستجدات التعليمية الخمس اكتسب الهيكل التعليمي حصانته التي يدير بها شؤونه و أصبحت المحاسبة الشخصية للأستاذ أو للقسم تتم في المؤسسة الأكاديمية، ومحاسبة المؤسسة تتم في المجلس الأكاديمي الأعلى. قبل إدخال هذه التجديدات وحتى بدايات القرن التاسع عشر كانت السلطة الأكاديمية محدودة الحصانة، لأن الدولة تحتكر التعيين والعزل والتأديب الأكاديمي بدون الرجوع إلى القسم أو المؤسسة الأكاديمية.

يقول المؤرخ البريطاني توماس نيبرداي: «في البداية كان نابليون بما ألحقه من هزيمة كاسحة بالدولة البروسية الألمانية. تلك الهزيمة أوصلت الإصلاحيين إلى مراكز القوى والإدارة لأن البروسيين اعتبروا أن انهيار الدولة أمام فرنسا كان تجسيدا لفساد النواة النخبوية الألمانية وأن الحاجة أصبحت ملحة للتجديد وخصوصا في الإدارة والتعليم.

بسبب الإحساس العميق بعار الهزيمة والتخلف العسكري والعلمي أمام فرنسا تم تنفيذ التجديد بتطبيق صارم في ثلاث مجالات: مجال إعادة التنظيم ومجال هيكلة الإدارة ومجال تحديد أهداف المشروع الوطني.

اللحظة الحاسمة في التنفيذ تمثلت عند استدعاء الأستاذ ويلهيلم فون همبولت من عمله الدبلوماسي في السفارة الألمانية في روما و تعيينه رئيسا ومشرفا عاما على مؤسسة جديدة تم استحداثها لهذا الغرض وسميت: المؤسسة العامة لشؤون العقائد والتربية والتعليم.

يقول المؤرخون الأوروبيون: التعليم الأكاديمي الحديث هو أعظم هدية من ويلهيلم همبولت لمواطنيه الألمان، وأيضا أعظم هدية قدمتها ألمانيا لأوروبا، أما الأستاذ همبولت فكان أعظم شخصية منهجية أنتجها العقل الألماني.

- الرياض

مقالات أخرى للكاتب