Friday 13/06/2014 Issue 15233 الجمعة 15 شعبان 1435 العدد
13-06-2014

الإعلام وثقافة الاستهلاك

لم يعد الاقتصاد وحده هو المدخل الرئيسي لفهم سلوك المستهلك وزيادة نزعة الاستهلاك بين البشر في عالمنا المعاصر.. فلقد صارت النزعة إلى الاستهلاك عنصراً ثقافياً مؤثراً في اقتصاديات الدول.. وذلك بما تمارسه من تأثيرات قوية في سلوك الإنسان تجاه الميل إلى الاستهلاك بل وجعل الاستهلاك هدفاً في حدِّ ذاته..

.. وقد أدت التطورات التي شهدها العالم في مجال العلاقات التجارية والاتصال إلى انتقال عناصر ثقافة الاستهلاك إلى كافة أنحاء العالم فتغيرت أساليب حياة الشعوب وتبدلت أذواق البشر بالتالي ظهرت أنماطٌ جديدة ومختلفة من الاستهلاك ساعد على ذلك دعم صناعة الثقافة وتكنولوجيا الاتصال والإعلام..كما أن امتلاك الشركات متعددة الجنسيات لتقنية المعلومات ووسائل الاتصال مكَّن هذه الشركات على إعادة تشكيل أذواق المستهلكين وترغيبهم في السلع المنتجة.. ودفعهم نحو نزعات استهلاكية لا حدود لها.

يقول أحد المهتمين في هذا المجال: أراد ستالين أن يكون القوة العظمى إلا أن ميكي ماوس تفوق عليه في ممارسة القوة وامتلك السيطرة على ذلك.. والمعنى في بطن الشاعر.. فقد لعب الإعلام دوراً رئيساً في خلق ودعم ثقافة الاستهلاك في عصر العولمة والفضاء المفتوح وتحول الاستهلاك من عملية ترتبط بالإنتاج ومكملة لها إلى حالة تعبر عن ثقافة مفروضة على الشعوب بدل أن تكون ثقافة اختيارية تخضع لمعايير عقلانية من أجل إعادة الإنتاج واستمراره لصالح المجتمعات.

في عصرنا الحالي أصبحت عملية الترويج لثقافة الاستهلاك صناعة في غاية الدقة والسهولة في نفس الوقت نظراً لاعتمادها على وسائل متنوعة وشيقة تحرك رغبات الشعوب وتثير في وجدانهم مشاعر الرغبة لاقتناء السلع بصورة عشوائية.. لهذا قامت فلسفة تأثير الاستهلاك على سيادة مفهوم المنافسة.

والإعلام الحديث بما يملكه من التقنيات الإعلانية ووسائل الدعاية المتنوعة وما تستخدمه من معاني وصور ورموز لإسباغ أسلوب مميز ومشوق للدعاية إلى جانب البث السريع والمتواصل لرسائل الدعاية والإعلان المشبعة بكل أنواع المغريات المثيرة للغرائز كل ذلك خلق تناسباً طردياً ما بين المستهلك وتدفق السلع إعلامياً فكلما تعاظمت السيطرة الإعلانية لتلميع السلعة والترويج لها من خلال دعايات براقة متوهجة تتعاظم فعالية التأثير وتتغلغل ثقافة الاستهلاك دون وعي عند المتلقي ما يدفعه للهرولة وبشغف للتسوق وتملك السلعة مهما كانت وبغض النظر عن مبدأ الجودة أو السعر أو الحاجة إليها.

لقد باتت عملية التأثير الاستهلاكي على الأفراد والمجتمعات خاضعة لمعايير معرفية يتحكم فيها من يمتلك وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصال الحديثة والذكاء التقني.. يستخدم كل ما هو متاح ومغر بغض النظر عن منظومة القيم الاجتماعية والثقافية الخاصة بكل مجتمع وكل ذلك بهدف إثارة الغرائز والترويج للسلع وترسيخ ثقافة الاستهلاك وخلق تطلعات إجبارية للتسوق الترفي عند الأفراد بالرغم من اختلاف الامكانيات المادية والفرق المتباين في مستويات المعيشة بين أفراد المجتمع الواحد بل بين دولة وأخرى.. فالإنفاق على سلعة براقة ملمعة لا يعني شيئاً للمستهلك المخدوع بقدر ما يعني له البحث عنها وشرائها مهما كان سعرها حباً للتباهي والظهور أمام الأقران أو بحثاً عن مكانة اجتماعية مفقودة أو تعطشاً لتميز يحلم به فينزع هذا المستهلك المخدوع نحو الرغبة في الامتلاك والارتباط العاطفي بالسلعة دون إدراك أو وعي بمدى حاجته لها.

ورغم أن الثقافة الاستهلاكية ليست جديدة تماماً إلا أنها أصبحت أكثر رواجاً وانتشاراً حين دخل العالم مرحلة إلغاء الحواجز بين الشعوب وبناء سوق عالمي موحد أخذت من خلاله السلع المنتجة بوفرة دلالات رمزية تتجاوز بذلك قيمتها المادية لتكتسب قوة تدفع نحو صهر العالم استهلاكياً ودمجه ثقافياً متجاوزة بذلك الجوانب الثقافية والتقاليد الاجتماعية للشعوب.. فهل يمكن استشراف مستقبل للتنمية في ظل علاقة طردية مابين تكنولوجيا الاعلام والتعطش الاستهلاكي.

zakia-hj1@hotmail.com

Twitter @2zakia

مقالات أخرى للكاتب