Tuesday 17/06/2014 Issue 15237 الثلاثاء 19 شعبان 1435 العدد
17-06-2014

هل ستكتمل حياتك؟

هل أنت ممن يضعون شروطاً لسعادتهم؟

هذا احتمالٌ راجح، لأن كل الناس يريدون الكمال في كل شيء، فلا يكفي أن نأكل قليلاً بل يجب أن يكتمل الشبع، ولا يكفي أن نجمع القليل من المال بل لا بد أن يجتمع من المال ما يكفي أن يزيل كل الديون والمصاريف ويبقى الكثير لمصاريف الترويح والترفيه، ولا يكفي أن تكون العلاقة جيدة مع بعض الناس بل يجب أن يكون الكل راضياً عنا، وهَلُمَّ جراً. النفس البشرية جُبِلتَ على طلب الكمال بشكلٍ مستمر، وهذا جيد في حد ذاته لكن أكثرنا يسيء استخدام وفهم هذه الطبيعة، فمن الجيد أن نسعى أن يكون كل شيء مكتملاً قدر الاستطاعة، لكن الهوس والإصرار أن يكون الكمال هو الطبيعي في كل شيء فهذا ما لا يكون.

أكثر الناس يضع شروطاً ليكون سعيداً. لا يكفيه أن يكون في صحةٍ تامة بل يريد مثاقيل من المال لا يرى أولها من آخرها. لا يكفيه أن يكون محاطاً بأناسٍ يحبونه بل يريد ترقيات وعلاوات لا تتوقف، لا يكترث أنه يعيش عيشة هادئة آمنة بل يريد كذا وكذا وكذا، ولن يرى أن حياته مُرضية إلا إذا اكتملت كل هذه الشروط، غير ذلك فيرى أنه من أهل البلاء! لماذا لا يستمتع بحياته كما هي وفي نفس الوقت يطلب الأفضل؟ إنها ممكنة.

ليست هذه النظرة القاصرة على الحياة كلها فحسب بل حتى الأيام والمواقف نطلب فيها الكمال في العادة. لو ذهب فلان في نزهة وضايقته الحشرات فسيلعنها، وإذا سُئل عن نزهته قال: ما أحسنها لولا الحشرات التي أفسدتها علينا. إذا درس أحدهم قال: ما أحسن هذه الجامعة لولا الدكتور الفلاني الذي أفسد علي المرحلة الجامعية كلها بتشدده. إذا تزوج أحدهم قال: ليت زوجتي فيها كذا وكذا من الصفات وتخلو من كذا وكذا من العيوب، ولو حدث هذا اكتملت سعادتي الزوجية.

إنها الكمالية الخاطئة.

إذا كنتَ من هذه النوعية فأريد أن أسألك: هل يوجد أي شيء كامل في هذه الدنيا؟ فكّر في أمتع لحظات حياتك .. فكر في أحسن التحف والرسوم .. فكر في أبلغ الكتابات وأجمل المناظر وأحسن الناس وأبدع الصناعات.. هل هي كاملة فعلاً؟ مستحيل. كل شيء يمكن تحسينه.كل شيء يمكن أن يكون أفضل ولو قليلاً. لا يمكن أن يكون هناك شيء اكتمل تماماً في الصُنع والجمال والإتقان حتى أجمعت البشرية كلها على كماله. أمسك الهاتف الجوال: كيف يمكنك تحسينه؟ قد تقول: أن يجعلوا الكاميرا أكثر وضوحاً، وأن يتوفر باللون الفلاني، وأن يكون أقوى، إلخ. انظر إلى لوحة جميلة: كيف تصبح أجمل؟ قد تقول: لو أضيفت لها شجرة إضافية، أو خفف الرسام من اللون الفلاني، أو قلل من المساحة البيضاء في هذه الزاوية، وهكذا. خذ قطعة أدبية باهرة، كيف تكون أفضل؟ ربما لو أنقصنا الكلمة الفلانية، وأضفنا المزيد من التفصيل في المكان العلاني، وأزلنا هذه الجملة، واستبدلنا تلك الكلمة. دائماً سترى هذا، وكما قال أحد الحكماء: إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يوم إلاّ قال في غده: لو غُيّر هذا لكان أحسن، ولو زِيد كذا لكان يستحسن، ولو قُدِّم هذا لكان أفضل، ولو تُرك هذا لكان أجمل، وهذا مِن أعظم العِبَر، وهو دليل على استيلاء النقْص على جملة البشر.

هذه هي الحياة أيها الأكارم. كل شيء بلا استثناء يمكن أن يكون أفضل ولو قليلاً. لذلك لا تتشبث بالكمال في كل شيء، فلو اكتملت حياتك في كل أوجهها فهذا هو الشاذ الذي يحتاج تفسيراً ويستحق تعجباً! عش حياتك، استمتع بها، وإن نقصت قليلاً هنا أو هناك فهذا هو الطبيعي.

i.alammar.11@gmail.com

Twitter: @i_alammar

مقالات أخرى للكاتب